بقلم/ نـدى سُليمان
دقائق تفصلهم عن النطق بالحكم تتسارع الأنفاس وتعلو كأنها في سباقٍ، والوقت يمر ببطئ شديد متعمدًا أثارة القلق وحبس أنفاس الجميع ..
هذا هو الخادم الذي يعرفه جيدًا يعلو وجهه علامات القلق على صاحبه، وجميع مَن في القصر شهود على حياءه وشهامته وخُلُقه الكريم.
جميل الوجه، كريم الطبع، عفيف اللسان ..
كل الأدلة كانت تنطق ببرائته، تمامًا كبراءة الذئب من الدمِ الكَذب، وشَهِدَ شاهدٌ ولم تغني شهادته عن مكرهم شيئًا ..
بل بدا لهم ليسجنُنَّه حتى حين !
“أيُّها الصِّدِّيقُ أفْتِنَا ” كيف للمرء أن يقوى على مرارة الظلم وقسوة السجن وغدر الإخوة وبُعد الحبيب، مجتمعين..
وكيف كان شعورك أيها الكريم، ولو أنني مكانك لمِتُ كمدًا وحسرةً ولتقطع قلبي من قسوة ما لاقيت.
علمتنا دروسًا عظيمة وكثيرةٌ ترِق لها القلوب وتعجز أمامها العقول وتُزكَّى بها النفوس، أولها العفة وأعلاها العفو وأعظمها هم الدعوة إلى الله.
فأنت يا حبيبي لم تنشغل لحظة واحدة عن دعوتك وحُب مولاك، حتى عندما سُجنت وأصبحت محاط بالمجرمين الذين نظنهم أبعد الناس عن الهِداية لم يمنعك هذا أن تدلهم على الخالق بلطفٍ ولين.
وتحاورهم محاورة المحب بعقلٍ وحُجةٍ ودليل ” يا صاحبَي السجن ءأربابٌ متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار .” !
كلمات يفوح منها عبير حبك واجلالك لرب العالمين وحبك وحرصك على الناس أجمعين، بل كم أنت متواضع أيها النبي فتناديهم ” يا صاحبي”
ولأنك كريم بن كريم بن كريم بن كريم أكرمك الله وكافئكَ بالإحسانِ إحسانًا ..
وأُقيمت المُحاكمة مرةً أخرى ولكن لإعلان برائتك، هكذا هو العدل الإلهي، فما كان للظلم أن يستمر تحت سماء إلهٍ عظيم.
وما كان الله مُخلف وعده رُسُله.
فمثلك لا يُهان ولا يُتهم بل يكن عزيزًا حُرًا، سيدًا عادلًا أمينًا يليق بهِ أن تكون تحت يده خزائن الأرض.
تهوي له القلوب والأبدان من كل بقاع الأرض تلتمس عدله وكرمه وتتزود ثم تعود إلى ديارها آمنة كالطير التي تغدو خِماصًا وتروح بطانًا.