ابداعات

رحلة إلى غار حراء

✍️ بقلم/ انتصار عمار

 

وكأن قلبي يعرج إلى السماء في اللحظة آلاف المرات، ويتأرجح شوقي بين مهابة، ورجاء، وتوق وحنين لمعانقة عطر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

درب شاق، متعب، إلا أن خطاي تعشقه، تهوى مشاقه، تذوب جوىً لرؤية ذلك المكان الذي ازداد حُلةً بتشريف أعظم الخلق له بالزيارة، والتردد عليه.

 

 

هذا الغار الذي كان يتعبد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي، والقرآن عليه، والذي كان لا يتسع إلا لأربعة أشخاص أو خمسة فقط، ليجلسوا فيه.

 

 

أي شوق هذا يطير بي على جناحيه، ويحمل خطاي لغار حراء!

 

 

حيث خلوة حبيبي وقرة عيني رسول الله عليه الصلاة والسلام ، تلك الخلوة التي كان يتحنث رسول الله فيها أي يتعبد الليالي ذوات العدد.

 

 

وعن عائشة رضى الله عنها وأرضاها، أنها قالت؛ ” أول ما بُديء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم.

 

 

فكان عليه الصلاة والسلام لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلوة، فكان يخلو بغار حراء، يتحنث فيه، أي يتعبد الليالي ذوات العدد.

 

 

وقد أمر الله عز وجل سيدنا جبريل بحمل أعظم رسالة إلى أفضل نبي، كي يسمو بالحياة من دنس الشرك إلى روح التوحيد، وعبق الألوهية.

 

 

ومن جور الظلم وطغيانه إلى روح العدل، ومن غياهب الظلمات إلى هالات النور التي تشع سنا بريقها في عنان السماء.

 

 

فوجيء النبي عليه الصلاة والسلام ذات يوم بجبريل أمامه حقيقة، واقعًا يلمسه، ويراه بعينه، وهو يقول له؛ أقرأ.

 

 

حتى تبين له أن ظاهرة الوحي هذه ليست بأمر ذاتي داخلي، أو حديث نفس، وإنما هو استقبال لحقيقة واقعية.

 

 

تبعد كل البعد عن الحدث، والإلهام، ففي يوم من الأيام أتاه جبريل زائرًا، حاملًا بين طيات أجنحته رسالة الوحي.

 

 

 

ثم يضمه جبريل ويرسله ثلاث مرات، قائلًا في كل مرة؛ اقرأ،

وفي كل مرة يجيبه النبي صلى الله عليه وسلم قائلًا؛ ما أنا بقارىء.

 

 

فلقد كان النبي أميًا، لا يعي القراءة والكتابة، ولم يكن ليتلقى صحيفة يقرأها، ولا مصحفًا يتلو منه.

 

 

 

وفي كل مرةٍ يضمه جبريل يقول له النبي؛ بلغ مني الجهد، فارسلني، أي اتركني، فقال له النبي؛ اقرأ، حتى قال له بعد المرة الثالثة؛ “اقرأ باسم ربك الذي خلق”.

 

 

كان النبي يخلو بغار حراء، ويتعبد فيه، كان يصعد الجبل المعروف “بحراء”، ويتزود أي يأخذ معه زاده من الطعام ونحوه من ماء، وشراب.

 

وكان يتعبد بالذكر والتفكر في خلق الله، وعظيم آياته الكونية، فكان يتعبد لأيام، ثم يعود ويتزود بمثلها، ويأخذ زادًا ثم يرجع.

 

 

 

فيا سعد البشرية حينما حط جبريل أجنحته بالغار، معانقًا رسول الله برسالة البشرى.

 

 

جئتك يا محمد بوحي الرسالة، كي تزيل الغمة، وتحيي الأمة، وتُشعل وقود الهمة، وتنشر دعوة الإسلام في ربوع المشرق والمغرب، وفي أرجاء العالم كله، وهذه الأمة.

 

 

 

فجوة في الجبل، أعلى جبل النور يقع غار حراء، أصعد درجات سُلمه، درجةً درجة، وقلبي يرتجف فرحًا، وشوقًا.

 

 

سلالم طوال، كثر عددها، لدرجة هوت بأنفاسي بين طيات درجاتها، إلا أن شوقي كان يزيدني قوةً وصلابة كي أصل.

 

 

.وكان الغار مظلمًا للغاية، إلا أن الشمس رأيتها تسطع في كفيّ، وبين راحة يديّ.

 

 

وكأن أشعتها تُمسك بيدي، و تحملني إلى داخل الغار، وكأني أراها تشرق ولأول مرة، وكأنها في كامل حُلتها، وأبهى زينتها.

 

 

 

وكانت هي قنديلي الذي أضاء لي عتمة المكان، وكأنها أتت لتصحبني، وترافقني في رحلتي.

 

 

ما أجملها من رائحةٍ تفوح بأرجاء المكان، مسك فاح وكأنه إكسير حياة، رائحة عطر سيدي وحبيبي رسول الله.

 

 

أو كل هذه القرون ومازال عطره عالقًا بسقف الغار! ملتصقًا بجدران المكان، وكأنه نقوش حُفرت بالجدران، لا يمحوها أي أثر.

 

 

 

أو هذا هو الغار الذي هبط به جبريل بأجنحته الستمائة جناح، والذين يسدون ما بين المشرق والمغرب؟

 

 

أو هذا هو الغار الذي وطأته قدم شفيعي رسول الله، وكان يمكث فيه ليل نهار يتعبد؟

 

 

لا أصدق عيناي، جسدي ينتفض، تكبله أنفاس عظمة ذلك المكان، هنا خطى حبيبي! 

 

 

تساؤلات عدة تعانق فرحتي، وتطوق تفكيري تحتاج إلى إجابات.

 

 

كيف كان يحيا نبي الله عليه الصلاة والسلام داخل هذا الغار؟

وكيف كان يتحمل ويكابد مشقة صعود درج هذا السلم، بكثرة عدد درجاته، وارتفاعها، وعلوها؟ 

 

 

عبرت من خلال آلة الزمن، وطلبت منها أن تعيدني إلى ذلك الزمن الجميل، عهد رسول الله.

 

 

ممتطيًا جواد شوقي، وداخل جعبتي زادي من الحنين، وأمتعتي المحملة بلهفتي لرؤية الغار.

 

 

*أو يا حراء يا بيت النبوة

 

فيك حيا أشرف الخلق، ووحي النبوة*

 

 

*يا سعدك يا غار

 

ليتني مكانك، لأحظى بشرف تلك الأسوة*

 

 

*أو لو كنت بعهده يا غار!

 

لحيا القلب في ربوعه، ونمت أوراقه جذوة جذوة*

 

 

عهدًا قبله كان الظلام يسود عقول البشرية، والجهل يطمس تفكيرهم، ويأسر عقولهم.

 

 

فيحيون في ليل حالك، يدوم سواده ليل نهار، فلا تشرق بأرضهم شمس، ولا يأتيهم هلال عيد.

 

 

 

ولا تطرق أبواب بيوتهم السعادة، وها هي القلوب يا رسول الله دق بابها الإيمان، وفتحت نوافذها نسماته، وذاقت لذة نعيمه، ولاح فجر الإسلام يشق كبد السماء.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!