الشيماء أحمد عبد اللاه
قرابة المائة وعشرون يومًا ما زلت أحتفظ بتلك اللقطات الجميلة، لست أعلم لما بالأمس تحديدًا ارتجفت يدي وتصفحت الصور مجددًا، فوجدت أنني أضغط على زر الحذف، نبهني هاتفي أنه لا عودة لمحذوف كسابق عهده، سيُلقى في سلة مهملاتك، أستبدأين المهمة الآن؟
توقف عقلي للحظات، وأبعدت يدي المرتعشتين عن الهاتف، وترقرقت العبرات في عيني، ثم لم ألبث مليًا وأمسكت الهاتف مرة أخرى معلنة أنني أنصاع وراء تنبيهاته، وأريد إكمال المهمة الآن، بدأت أستجمع قواي، مع رجفة قلبي هذه المرة وليست يدي فقط، يحتوي الألبوم على ستون لقطة، كل لقطة تحمل ذكرى، يؤكد عليّ الهاتف مجددًا: هل أريد حذف الكل أم أنني سأختار؟
لم أُطل التفكير في الأمر، فالتنبيه وقته قصير، قمت بتأكيد الأمر عليه بحذف كل لقطة من قلبي قبل هاتفي، ضغطت الزر لإنهاء الأمر، وتمت المهمة على أكمل وجه، لكنها لم تكتمل بنجاح كمهمة، بل ضغطت على قلبي مرارًا، ستون ذكرى، وكل واحدة منها حملت بين طياتها لحظةً من فرح أو شجن، انتثرت كأوراق خريفية تساقطت، لتعلن انتهاء فصلٍ من حياتي.
مع كل ضغطة على زر الحذف، شعرت وكأنني أعيد كتابة قصتي، لا لأمحو الماضي، بل لأمنحه حريته في الطيران بعيدًا عن قفص الذاكرة، ضغطت الزر الأخير، فسمعت صدى صوتًا داخليًا يقول: “إن الذكريات مثل الطيور، لا تنتمي للقفص، لكنها تحلق عاليًا كلما هممت بالتخلي عنها.”
لم تكن المهمة مجرد حذف صور، بل كانت تحريرًا للروح من قيودها، وأخذ خطوة نحو بدايةٍ جديدة، وها أنا الآن، أقف كالشجرة بعد عاصفة؛ قوية الجذور، شامخة رغم الأوراق المتساقطة، مدركةً أن الحنين ليس عدوًا، بل رفيق طريقٍ يذكرني بأنني عشت، ضحكت، وبكيت.
لست حزينة على الصور التي ذهبت؛ لأنها تركت أثرًا عميقًا في قلبي، وكأنها رسمت لوحةً لا تُمحى على جدران ذاكرتي، لوحة تحمل تفاصيلًا أبهى من كل الصور.