ابداعات

آخر عود كبريت .

بقلم : ندى يحيى 

 

لكل ضوء جانب آخر من العتمة،فلكلٍ منا ظلمته، وخيبته الخفية، ورحلته في البحث عن الأجوبة لكل المفقود.

 

ورغم أن الظلمة أمر يعلمه الجميع،وربما عاشه الجميع،حتى وإن كانت العتمة اختياره؛ للبحث عن النجوم الأكثر عطاءًا وجاذبية في السماء.

 

فرغم اختلاف الأسباب والمسببات، إلا أننا مازلنا نجهل الكثير من الحقيقة، نمسك بكل مالدينا من قوة في طرف الخيط الظاهر من هذا المجهول كله.

 

نظل نُطلق الأحكام، ونختلق الأسئلة والأجوبة دون معرفة واضحة بمعالم تلك القصة . 

 

فما الذي يدفع شخص ما لأن يكون الشمعة المحترقة لأجل الجميع؟ 

 

ربما لأن فاقد الشيء يعطيه؟

أو لأنه عاش ظلمة الوحدة فوجد أن العطاء نور الطريق؟ 

وربما لأننا مازلنا نبحث عن أنفسنا في صدور الجميع ؟

 

نبحث عن بقايا أشخاصنا الغائبين في ملامح شخص يشبههم، وضحكة هذا، وصوت هذا، ونظرات ذاك.

 

نتشبث في الحياة رغم أن الظلمة غزت دواخلنا، ولكننا مازلنا نتمسك بشعاعنا الخارجي وكأنه آخر عود كبريت لدينا نُضيء به الطريق.

 

فإن ضعفت عزيمته في البقاء مشعًا، فإننا سنكون في تعداد الغائبين هناك بين أركان الظلمة الخفية.

 

ولكن هل تعلم أن خلف كل ذلك وهم التعافي؟

 

نعم تلك الهالة التي تحيط بك لتوهمك أنك تحاول بكل ما لديك بقوة، تحترق لأجل الجميع، وتبحث عن كل نواقصك داخل الجميع، حيلة جيدة للهروب من التعافي الحقيقي والتخلي عن آخر خيط يربطك بالماضي.

 

أنا هنا أحدق في عينيك، لا أخشى أن تعرف حقيقة ما أنت مُقحم بداخله، أعرف جيدًا تلك الملامح المرتبكة الأعين، التي تبحث عن حيلة جديدة لتبرير ما يكمن بداخلها، لكني أفهم جيدًا لم أكن أنا الوحيدة ضحية الماضي، فها أنا أقف أمام ضحية جديدة تشبه تمامًا حلقة الموت، فحتى إن منحتك الحياة كومة من أعواد الكبريت فلم تضيء عتمتك.

 

الأمر لم يكن يكمن في آخر عود كبريت نمتلكه، ولا في العطاء بلا حدود، ولكنه يكمن في ضعف دواخلنا، إيماننا بأنفسنا وبحكمة القدر، لماذا تظن أن العالم تحالف معك ليحرمك من كل ما تُحب؟ من أنت من وجهة نظر القدر ليتحالف مع العالم عليك؟ لا أقصد التحقير من القيمة الذاتية لك ولكني أحقر من عتمة تلك الفكرة التي ملأتك بالظلمة.

 

جميعنا نتشبث بكل شيء منذ نعومة أظافرنا، نلهث على جميع الأشياء ونفقد قيمتها حين نحصل عليها، هذا تحديدًا ما يفعله بك الماضي، يحرمك منه لتلهث للعودة إليه رغم استحالة ذلك، رغبة بأن يستحوذ الماضي،على جزء أكبر من حياتك، وليس لأن كل ما مضى كان يستحق رحلة جديدة معك في الحاضر والمستقبل.

 

ما أُخذ منا لم يكن لنا من البداية، أو ربما وجد لسبب ما انتهى ميعاده، كل شيء قد خُلق بمهمة محددة، لا وجود للأبدية بين ثنايا ذلك العالم، فإن قررت التشبث بكل ما تحصل عليه حد الموت فستكون أنت آخر عود كبريت محترق بين ثنايا هذا العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!