✍️ يوحنا عزمي
تتنفس ملاهي قم وطهران الصعداء على وقع الإتفاق مع إدارة ترامب على الذهاب إلى مائدة المباحثات في مسقط عاصمة سلطنة عمان ، وهي خطوة كانت حلماً مستحيلاً في مكتب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية لولا سلسلة تفاعلات سياسية وجيوسياسية جعلت واشنطن تقرر الذهاب إلى المباحثات بدلاً من العقوبات مرة أخرى.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد انسحب في مايو 2018 من الاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته إدارة أوباما في صيف 2015، وهو الانسحاب الذي أعاد فرض العقوبات على طهران في 2021، فقد غير السياسة الأمريكية التي كانت تنسق مع الأوروبيين بشأن إيران ، كما غير ترامب من أولويات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ورفع شعار “أمريكا أولاً” الذي كان سبباً في عدم تدخل واشنطن في ملفات كثيرة مثل سوريا والعراق وليبيا ، ويستكمل ترامب في 2025 و2026 الانسحاب الأمريكي من هذه الدول.
وأوقفت طهران برامجها النووية وتحجيم برامج الصواريخ الباليستية ، وبدأت في الحديث عن السعي للسلام والتفاوض ، وهو تغير في موقف نظام الملالي والحرس الثوري وحزب الله اللبناني ، والميليشيا الإسلامية العراقية والحوثيين في اليمن.
واقتنعت طهران بساعة وكنت قد تحدثت عن السبب الرئيسي والمطلق الذي غير المعادلة وكرّس الهزيمة للجمهورية الإسلامية الإيرانية وهو عودة روسيا إلى الشرق الأوسط.
منذ أن عاد بوتين إلى الشرق الأوسط في خريف 2015 عبر البوابة السورية وإيران تفقد مواقعها واحدة تلو الأخرى ، ولم تنجح ميليشيات إيران لا في مواجهة الجيش الإسرائيلي في سوريا ، ولا في السيطرة على العراق في ظل وجود عسكري أمريكي دائم ، ولا في الهيمنة على الدولة اللبنانية بعد انتفاضة الشارع اللبناني في 2019، ولا حتى في بسط السيطرة على غزة بعد اتفاق حماس مع مصر لإدارة القطاع ورفض السنوار القاطع لتحكم الملالي بغزة.
وحين تم توقيع اتفاقات إبراهيم بين الإمارات والبحرين من جهة وبين إسرائيل من جهة أخرى ، وقفت طهران تتفرج على ما يحدث دون أن تستطيع الرد ، ثم تبعه الانفجار العربي للتطبيع مع إسرائيل، ثم توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في بكين ، ثم صفقات إقليمية كبرى منها عودة سوريا للجامعة العربية ، ثم عودة الإسلاميين للحكم في تركيا وتونس ، وهزيمة الإخوان المسلمين في المغرب، ثم قرار أمريكا بإعادة قواتها العسكرية إلى العراق في 2021، ثم عودة ترامب إلى البيت الأبيض في بداية 2025، كل هذه التغيرات جعلت إيران تفقد سيطرتها الإقليمية ولا ترى بديلاً عن السلام.
ولكن حتى هذا المسار لا يرضي إدارة بايدن ، فالرئيس الأمريكي الديمقراطي لم يتوصل لاتفاق مع إيران رغم محاولاته منذ 2021، ولم تنجح كل مفاوضات فيينا في تحقيق هذا الهدف، لأن إيران لم تتجاوب مع بايدن، بينما تجاوبت مع ترامب الذي أبدى مرونة كبيرة هذه المرة.
وسعى ترامب إلى إقناع المرشد الأعلى لإيران بأن واشنطن مستعدة لتوقيع اتفاق جديد يتيح رفع العقوبات ، بشرط واحد وهو أن تنهي طهران دعمها للحوثيين في اليمن وتقبل بإيقاف البرنامج النووي والصاروخي، وهو أمر بدأت طهران تستوعبه ، خصوصاً أن الحرس الثوري الإيراني يعاني من عقوبات أمريكية وأوروبية وقيود صارمة والجيش الإيراني لا يحصل على قطع الغيار، والنفط الإيراني لا يجد سوقاً، ولذلك قرر نظام الملالي الذهاب إلى التفاوض مع ترامب.
ولكن حتى لا يبدو ترامب في صورة من يرضخ للملالي، فإن الاتفاق المقرر توقيعه في بداية أكتوبر 2025 سيتضمن بنوداً أكثر تشدداً من اتفاق أوباما، وتهدف إدارة ترامب إلى تمريره في بداية العام 2026 إذا تم التوصل لاتفاق في نهاية 2025، ولكن المعلومات الأولية تقول إن الطرفين يريدان توقيع الاتفاق في نهاية الصيف الحالي، أي قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2026.
وربما تدخل إيران إلى عهد جديد من السياسة الدولية ، ولكنها لم تدخل بعد إلى عصر ما بعد الملالي ، فذلك أمر لا يزال بعيد المنال في واقع الأمر برغم ترديده بكثرة في دوائر صنع القرار.