محمد الشحات”الباهو”
أجر قدمي بين الطرائق، عاجزًا، انتصف الليل، بلغ القمر ذروته، نظرت متأملًا السماء، إبداع إلهي، انظروا للقمر وتناغمه مع النجوم، قمر اشتد نضرته؛ وبات بدرًا، ونجوم اشتدت بريقها؛ وصارت ماسًا.
الطبيعة تتناغم، وتشدو بالحب، وأهٍ على ذلك الحب! جمال لا محال ذكرني بحوراء؛ فعادت ذاكرتي للوراء قليلًا، علق قلبي ببريقها؛ فخانت ذاكرتي هوية الوقت تمامًا، عين قد جملت الكحل، تراقصت أشعة الشمس مع بؤبؤ عيناها، ابتسامة تذيب الثلج، وحلاوة ملمح تذهب العقل، ٱهٍ يا حوراء ٱهٍ ! لوصف عيناها أذكر شوقي قائلًا: عيناكِ بحر والجفون شواطئ، والهدب خلق حولها عشاق.
شتت انتباهي من الحالة الوجدانية بداخلي؛ رنين هاتفي مطربًا: قولوا لها إنني ما زلت أهواها، بلا مبالاة، نظرت إلى الهاتف رقم مجهول، ضغطت على زر الهاتف، إذ بصوت اختلط بين فخامة مقام صوته، وتبغ السجائر بفمه، تحدث قائلًا: معكَ جوسف، وأريد إجراء معك مقابلة
_بالتأكيد
إذن سأرسل لك العنوان ١٤شارع محب طنطا، سأكون في انتظارك أمام كافيه شوقنا.
مر عشرون دقيقةً، حتى وصلت إلى الكافيه، رجل مريب، يدخن السجائر بنهم ويطلق دخانها إلى الهواء، بعنف كأنه في شجار معها، أو كأنه يخرج ما بداخله من غيظ فيها.
أنا نيسان، طبيب نفسي وصحفي في العقد العشرين من عمري، أظن أن الحياة مغرمة بعنائي، متشوقة؛ لتمزيق قلبي، لا تهتموا بتفاصيلي، فالحديث عن الذات ممل قليلًا.
أشار جوسف بيده، بابتسامة غُصَّة، قال: لا أريد إطالة الحديث، ولا أريد مشاركة المعلومات الحساسة، فقط أريد أن أشعر بالحرية من الحزن والألم، الاكتئاب عدو لدود اقتحم حريتي، وسلب أنفاسي، وضيق ابتسامتي، ونزع ما بداخلي، طلبت منه أن يطفأ السجارة بيده، وأن يرتشف قطرات من الماء؛ فلدينا الكثير من الجلسات معًا، ولكن فترة العلاج النفسي تتوقف عليك أنت، فدعني أحدثك عن الامتنان.
قال المولى: “لعلكم تشكرون”، تخيل معي حياة بدون امتنان، شخص ما قدم إليك معروفًا، ولكن لم تشعر بقيمته، فلا حب ولا سعادة، فالسعادة والإمتنان حياة لا يُفرق بينهما.
جوسف قائلًا: أشعر بالدوار قليلًا وأفتقد التركيز، هل لك بالتوضيح أكثر؟
_ بابتسامة، إذا قدم لك شخص قطعة من الشوكلاتة الفاخرة الصغيرة، إذا فكرت فقط في حجم الشوكلاته ولم تفكر بقيمة الموقف وإهتمام هذا الشخص بكَ، وأنه يتذكر وجودك، وأعطاك تلك القطعة، فلن تكون سعيدًا، أما إذا فعلت العكس، وشعرت بالإمتنان، سيصاب قلبك السعادة، فالامتنان لكل شيء ولو كان صغيرًا، هو مفتاح السعادة، والاحساس بالذات. سأضطر للمغادرة الٱن، يا جوسف، سنتحدث في موعد آخر.
يتبع..