ابداعات

حينما يكتب الربيع

 

 

بقلم/ انتصار عمار 

 

 

تشتاق الأرض للربيع، وتتوق إلى لقياه، كما يشتاق هو إليها، وتظل تنتظر مجيئه، فيمر صيفٌ، يليه خريفٌ، يعقبه شتاءٌ، فتبكي الأرض قدرًا باعد بينها، وبينه.

 

 

وكأن الربيع هو نبضات قلبها، وعينها التي تبصر بها، 

وروايتها الحلوة، التي لا تنتهي أحداثها، ولا يموت بطلها.

 

 

ولا يجمع بينهما سوى رسائل مسافرة عبر نسمات هوى، تطوي حنين البعد، حتى يأتيها من سفره الطويل، عبر خارطة الزمن.

 

 

رسائل مسطرة، خطها الهوى، أحرفها النسيم، وكلماتها عبيرُ شوقٍ مسافر عبر رياح الجوى، وبين سطورها نغمات هوى يرددها فؤاده.

 

 

رسائل خطها الربيع في عين الزمان، كقصائد عشقٍ حُفرت بين جدرانه، تشع أبياتها 

نورًا، كوهج شمسٍ يسطع في عنان السماء.

 

 

ثم يأتي الربيع على موعده،

بعد طول غياب، حاملًا حقائبه الملئ بعبير الشوق، ورياحين الزهور، ونسمات عشقٍ، تتمايل  

في خفية، خشيةً أن يراها موجُ البحر.

 

 

ودواوين عاشق، اغترب في عين محبوبه، ودفاتر تحمل حنين عبق الماضي الجميل، وقلائد الحياة، وزخات مطر تغسل الألوان الباهتة.

 

 

وشمسًا تُحييك ثوبها الذهبي، وتنسج من سنا ضوئها خيوط الأحلام، وجدرانَ بيوتٍ ترتدي ألوان الحياة.

 

 

وقمًرا يسهر في عين السماء، يأبى النوم، ويفرح بحكايات سمر النجوم، و الليل، وكأنها حكايات الجدة المسلية، 

التي تشبه نكهة الكريز.

 

 

ويمضى الربيع سريعًا في طريقه إلى الأرض، وكأن آثار خُطواته تطوي مسافات البعد، فيسبقه إليها الشوق.

 

 

وإذ به يُبصر الأرض في كامل حُلتها، كعروسٍ في يوم عُرسها، ترتدي ثوب الحياة المزخرف بأجمل الألوان.

 

 

وتتعطر بأجمل العطور، وتنثر شذا الهوى بأرجاء الكون، فتغرد الطيور ابتهاجًا، وتبتسم السماء، وتصدح النجوم بأجمل الألحان.

 

 

وها هو الربيع عاد، ليكتب من 

جديدٍ، مذكرات السعادة في لحظ السماء، ويخط بأنامله أسطر حياة جديدة.

 

 

يأتي الربيع، فيذيب جليد أحزاننا، 

حين يخطو على أوجاعٍ باتت دفينة بين طيات كتب قديمة، بالية، متهالكة، تآكلها الوجع.

 

 

وثورة رياحه الخماسينية حين تهب، فتوقظ ذكريات هوى قديم، تطايرت صفحاته عبر أبراج الحمام، وتلاشت مع دخان السيارات.

 

 

حينما يكتب الربيع عن رفات أحلامنا، ينثر الزهر دموعه في أرجاء صحرائها، فيرسم بريشته، سماءً جديدة، لا تعرف مدنها الأوجاع. ولا تملك دفاترًا للأحزان.

ويزينها بفواكه الحياة، ويفتح كل نوافذها، بعصاه السحرية،

فتثمر نبتة الأحلام، وتزهر 

الحياة، فكأنما الربيع هو قُبلات الطبيعة، التي تُطبع على خد الحياة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!