نانسي هندي
12 شباط 1910 – مدينة بلوفديف البُلغارية
في يوم عاصف ومُمطر، عصفت الرياح بسيارة أولجان في إحدى القرى النائية، فإنزلقت عجلات سيارته على الطريق، فإذا به يجد نفسه مُتوقف فجأة عند جسر خشبي مُتهالك، كانت السماء مُلبدة بالغيوم السوداء، والرعد يدوي في الأفق .
نزل أولجان من السيارة، يرفع ياقة معطفه محاولًا صد قطرات المطر التي اخترقت ملابسه بسرعة، لم يكن في تلك القرية أثر لوجود الحياة، سوى بيوت مُتهالكة من وقع المطر عليها، ونوافذ مُغلقة توحي بأن ساكنيها يختبئون من قسوة العاصفة.
وبينما كان أولجان يحاول إصلاح العجلات، لمح ضوءًا خافتًا يتراقص من بعيد، كان هذا الضوء قادم من كوخ صغير عند طرف الغابة، تردد قليلًا، لكنه شعر أن ذلك الضوء هو فرصته الوحيدة للنجاة من برد قارس قد يودي بحياته.
توجه بخطوات حذرة نحو الكوخ، وكلما اقترب كان يسمع صرير الباب يتحرك من شدة الريح، وصوتًا مُرعبًا كأنه أنين أو تراتيل قديمة تتردد في الداخل
يُتبع…
المصير الملعون
تردد أولجان قليلًا قبل أن يطرق الباب، لكن الفضول كان أقوى منه ومن خوفه، رفع يده المُرتجفة وطرق عدة مرات، ولكن لم يأتِ رد، لكن الباب انفتح ببطء من تلقاء نفسه.
شيء ما دفع أولجان إلى الداخل، فإذا بالمكان مضاء بشمعة وحيدة، رائحة البخور امتزجت برائحة التعفُن في المكان، وكتاب مفتوح على الأرض كأنها مخطوطات قديمة.
وفجأة، سمع أولجان صوتًا خلفه يقول ببطء:
“كنتُ أعلم أنك ستأتي، يا أولجان”
تجمد أولجان في عروقه، واستدار ليجد امرأة عجوز تحدق فيه بعينين لامعتين، ظهرت على شفتيها ابتسامة غامضة، ثم أضافت بصوت أجش:
“لقد جئت إلى المصير الذي لا مهرب منه”
ابتلع أولجان ريقه بصعوبة، والخوف يتسلل إلى عظامه، لكنه تماسك وسألها بصوت متردد:
من أنت، و ماذا تقصدين؟ وكيف تعرفين اسمي؟
ضحكت العجوز ضحكة مُرعبة، ثم أشارت بيدها نحو المخطوطات الملقاة على الأرض، انحنت والتقطت إحداها، ثم مدت إليه ورقة صفراء مُلطخة بالدماء
وقالت “كل شيء مكتوب هنا منذ مئة عام، قبل ولادتك وحتى هذه اللحظة.
أمسك أولجان الورقة، فوجدها مليئة برسوم غريبة طلاسم ودماء ورسومات لوحوش اسطورية، ارتجف جسمه وعينيه اتسعت، حين لمح اسمه مكتوبًا بوضوح، وإلى جانبه تاريخ اليوم نفسه يوم مجئيه إلى هذا المنزل: 12 شباط 1910.
ارتجف جسمه مذعورًا، وفي هذه الاثناء تقدمت العجوز نحوه وهمست:
أنت الحلقة الأخيرة في لعنة قديمة، اللعنة التي بدأت في هذه القرية الملعونة، ولن تنتهي إلا بدمك انت يا أولجان، وأنا أنتظرك هنا مُنذ سنوات، وضحكت ضحكة مخيفة، أهتهزت لها أركان المنزل.
وفي تلك اللحظة، هبت ريح قوية أطفأت الشمعة، وغرق المكان في ظلام دامس، لم يسمع فيه أولجان سوى صرير الباب ووقع خطوات ثقيلة تقترب من خلفه.
تجمد أولجان في مكانه، يتلفت حوله بعينين مذعورتين، و كانت الخطوات تقترب ببطء، لكن وقعها ثقيل على أذنه، امتدت يده المرتجفة نحو الباب ليهرب، لكنه وجده مغلقًا، وكأن شخص ما يحكم قبضته على الباب.
وفجأة، رأى أولجان ما لن ينساه أبدًا.
رجل يقف عند العتبة، يرتدي معطفًا أسود طويلاً، وقبعته تخفي نصف وجهه، ملامحه كانت مُرعبة.
تكلم الرجل بصوت مخيف:
ــ أولجان باولو.
رد أولجان بخوف:
ــ من أنت؟!
تقدم الرجل بخطوة واحدة
ــ أنا الذي بدأ اللعنة، وأنا من سيُنهيها، بعودتك.




