شريف جلال القصاص
قالت السلحفاة كاني يومًا:
سبحان من له العزيز والوضيع خضع
وأذلّ من شاء، وأكرم من أطاع ورفع،
فليس كل من علا ساد،
ولا كل من سمع الحكمة انتفع بها أو عاد.
للسماء قانون لا يُرد،
وللأرض حساب لا بد أن يُسد،
وقد قال الأوّلون:
ما طار طيرٌ وارتفع،
إلا كما طار… وقع.
ومن ظنّ أن القوّة بقاء،
أورثه غرورًا وأعماه عن الفناء،
ومن حسب الجناح والمخلب حصنًا،
نسي أن للقدر كفًّا لا تُرَدّ ولا تُحصَن.
فالريح قد تهادن لتُمهل،
ثم تنقلب فتُسقط من اغترّ وتُهمل،
والحصى الصغير،
قد يقف حدًّا في وجه الكبير.
قد كان في أطراف القرية طائرٌ حادّ المنقار،
واسع الحيلة، سريع القرار،
لا يعرف من الجوع إلا جوع غيره،
ولا يرى في الحقول سوى فرصٍ ينهبها بصره.
يحوم فوق الزرع،
يلتقط الحشرات كما يلتقط الطمّاع حقًّا بلا ورع،
لا يترك مهربًا،
ولا يمنح ضعفًا وقتًا أو سببًا.
قالت له النملة يومًا:
«رفقًا، فإن الشبع لا يصنع أمانًا.»
فضحك وقال باستهزاء:
«ومن يملك القوة يسود الأرض ، ولا يخشى السماء.»
ومضت الأيام،
فثقل جناحه، لا من تعب الطيران،
بل من ثِقل ما حمل من ظلمٍ وعدوان.
وفي صباحٍ ساكنٍ بلا إنذار،
خذلته الريح،
فسقط بين الأعشاب التي طالما لم يرَ منها غير الغبار.
اجتمعت الحشرات حوله،
لا شماتةً ولا انتقامًا،
بل كما تجتمع الحياة حول ما يعود إليها ختامًا.
وقالت السلحفاة بصوتٍ هادئ:
«أمسِ كنتَ تأكل، واليوم تُؤكَل،
وما ذاك قسوة الدهر،
بل عدله الذي لا يتكلم.»
ثم مضت السلحفاة في بطئها المعهود،
وقد تركت خلفها طائرًا سكنه الصمت،
وحكمةً لا تُقال،
إلا لمن أراد أن يسمع… ويقنع




