يارين مصطفى
مرحبًا مذكرتي العزيزة، أعود إليكِ بعد فراق دام لعشر سنوات، تغيرت جذريًا لم أعد كما كنت، ملامحي نضجت، ذكرياتي التي طال سُباتها اليوم عادت للتدفق مجددًا، صفحاتك لا زالت تحمل بجوفِها آهاتي، ضحكاتي، أحزاني، دموعي وصرخاتي.
المنزل على حالهِ، لم يتغير كثيرًا ربما فقط زادت تصدعاته قليلًا، لا زلت أسمع صوت تمرد تلك الشجارات يرن بكافة أرجائه، الغرفة بالطابق العلوي كما هي مظلمة، باردة، تُرسم على جدرانها ليالٍ جافة، قاسية، موحشة، وغرفة الطعام يعم أركانها الهدوء كالسابق، الصمت كان بحرًا عميقًا يغرقنا، أتذكر أنها كانت حلقة الوصل الوحيدة التي كانت تجمعنا معًا بوقتٍ ما، ولكن الآن شِباك العناكب تزين زواياها.
كنا مُفككين، كنا أغرابًا وذات السقف يجمعنا، ضحكات تصحبُها ندبات حارقة، وعمود للبيت ليس بسندٍ لأهلهِ، أتتذكرين كيف ارتميت بين أحضانكِ مغشيةً عليّ من شدة وجعي، ذبلت صفحاتكِ من عمق بكائي، مرت أعوام لم تكن تمر واليوم هجرنا بعضنا البعض، هُجرت روابط معدومة من الأساس.
ذلك اليوم عندما تفرقت دروبنا تواعدنا ألا نعود مجددًا وها نحن اليوم ننكث ذلك الوعد، للمرة الأخيرة.. ستجمعنا غرفة الطعام تلك، للمرة الأخيرة.. سنتشبث بتلك الروابط التي هجرناها، سنشعر بدفٍ زائف وسنحتضن بقايا الذكريات لمن فرقونا علَّنا نغفر لهم.
صدقيني لدي الكثير لأخبركِ عنه ولكن أعدكِ سأعود مجددًا ذات يوم، وإن لم أعد فتذكريني بما يحمل جوفكِ مني، فأنتِ مخبئي الصغير، شكرًا لكِ لأنك ما زلتِ تسمعينني ولم تيأسي أبدًا.