✍️ يوحنا عزمي
ما يتم تسريبه الآن من باريس إلي وسائل الإعلام الدولي عن
صفقة سياسية وشيكة او محتملة بين إسرائيل وحماس يتم بموجبها إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدي
حماس مقابل وقف دائم او مؤقت لإطلاق النار في غزة ، هو امر يجب التوقف عنده لاستكشاف ابعاده واحتمالاته ، ولما يمكن ان يعقبه من نتائج وتداعيات.
فاولاً هذه ليست صفقة سياسية عادلة او متوازنة بأي معيار وبالمفهوم المتعارف عليه في أصول التفاوض الدولي ، لا من
حيث طبيعة العلاقة التي تربط بين طرفيها المباشرين ، وهما إسرائيل وحماس ، حيث العلاقة بينهما في اشد صورها عدائية واكثرها تطرفا في رفض كل منهما للآخر ، ولا من حيث نزاهة وحيادية مواقف الوسطاء فيها ، وهم الأمريكيون والقطريون.
فالأمريكيون ليسوا وسيطا نزيها او محايداً بين طرفي هذه العملية التفاوضية غير المتكافئة ، وانما هم طرف منحاز بصورة مطلقة
وبلا حدود إلي جانب إسرائيل يدعمونها في كل شروطها ومطالبها ومواقفها ، يقبلون من تلك العروض ما تقبله إسرائيل ويرفضون ما ترفضه منها ، وخلافا لما يفترض في الدور الوسيط ، فإن أمريكا لن تحاول بدبلوماسيتها تقريب المسافات بين الموقفين الإسرائيلي والفلسطيني وسد الفجوات والثغرات التي تباعد بينهما وصولا إلي إتفاق مقبول ، وانما ستقف مع إسرائيل ضد حماس في اكثر الصور العدائية تطرفا .. وهي من تري في حماس تنظيما إرهابيا اخطر وافظع من داعش وغيرها من جماعات الإرهاب الدولي.
وهذا هو ما يفقد الدور الوسيط احد اهم مقوماته ، ان لم يكن
أهمها إطلاقا.
واما قطر ، فإنها لا تقوم هي الأخري بمهام الدور الوسيط بين إسرائيل وحماس كما نتصور ، وانما بدور ساعي البريد الذي يتنقل بين الطرفين ليس لتقريب المواقف بينهما ، وانما لإطلاع كل منهما علي ما يقبله او يرفضه الطرف الآخر ، وليترك القرار بعده فيه لهما وحدهما .. ولا اعتقد ان بمقدور قطر تقديم ضمانات من اي نوع لإسرائيل او لحماس ، فمع إسرائيل لا قيمة لأي ضمانات توقع عليها ومع حماس فالقرار في النهاية ليس كله بيدها حتي تضمن او لا تضمن .
ولا خلاف علي ان هدف إسرائيل العاجل من هذه اللقاءات التي تجري حاليا في باريس ، هو الإفراج فوراً عن رهائنها وارجاعهم إليها ، وسوف تواصل بعد ان يتحقق لها ذلك حربها علي غزة
وهي لن تعدم الذرائع والأسباب التي سوف تبرر بها انتهاكها لأي إتفاق بوقف إطلاق النار ، وخططها المبيتة في غزة من ابتلاع وتقسيم وتغيير معالم في كافة التفاصيل وهي الخطط التي لم يكتمل تنفيذها بعد ولا اتصور أنهم سوف يتخلون عنها كثمن لهذه الصفقة التي يتردد الحديث عنها في وسائل الإعلام ، واما حماس فهي تسعي إلي وقف حرب الدمار الشامل والإبادة الجماعية التي تتعرض لها غزة وشعبها واخراج من بقي من قادتها منها بسلام وهو ما لا اعتقد أنهم سوف ينجحون في تحقيقه بهذه الصفقة المزعومة التي ستاتي متحيزة لإسرائيل علي حسابهم وحساب غزة وشعبها المقهور.
واقول ان حماس بما تردت إليه الأوضاع في غزة الآن لم تعد
مطلقا في الموقف ولا في الظروف التي كانت فيها قبل أربعة
شهور. فهي واقعة حاليا بين المطرقة والسندان : اي بين إستمرار دمار غزة إلي ان تتم تسويتها بالأرض ، او الاذعان والاستسلام لشروط مجحفة ومهينة وتعني الفشل الذريع والنهائي لعملية طوفان الأقصي التي كانت انقلابا هائلا في أوضاع هذه المنطقة
لم يسبق له مثيل وكانت طوفانا بحق حتي وان كان الجمبع قد غرقوا فيه وليس إسرائيل وحدها .. وافضي إلي تعقيدات واشكالات لا اول لها ولا آخر.
ومن هنا نتساءل من أين سوف تعمل حماس كحركة مقاومة فلسطينية مستقبلا إذا ما بقيت غزة تحت الإحتلال العسكري الإسرائيلي لها ؟
وهل سيكون ذلك من داخل غزة ، ام من خارجها حيث لن يسمح
لها بذلك اما بحكم حظر نشاطاتها او لأنها ستكون تحت رقابة دولية صارمة حتي لا تعود إلي ما كانت فيه ؟
وكيف تبدو احتمالات المستقبل مع واقع فلسطيني بلغ حداً من السوء والتدهور والانهيار ما لم تشهده فلسطين المحتلة في تاريخها ، وبرغم كل ما تعرضت له في الماضي من حروب وهزائم وانتكاسات ؟. وبعبارة اخري علي ماذا ينعقد الرهان علي المستقبل وعلي القادم من الظروف في مثل هذا المناخ العربي والإقليمي والدولي الحالك السواد ؟