بقلم – جلال الدين محمد
تأنقت كما لو كنت عريسًا في يوم زفافه، وضعت عطرًا برائحة العود، وارتديت بدلتي السوداء، وقميصي الأبيض مع ربطة عنق باللون النبيتي، وانطلقت من فوري لمقابلة العمل مع الشركة التي حلمت طويلًا بالعمل معها. مقرها الرئيسي عاصمة الضباب “لندن” وإن كُتب لي القبول فسوف أطير إليها.
لم تكن الأرض تسع أجنحتي حين سارت المقابلة على مايرام، قررت الاحتفال اليوم، فاتصلت من فوري بصديقي “معاذ”، واتفقت معه على أن نُحضر طعامًا وبعض المشروبات الغازية ونستأجر فيلمًا ما من نادي الفيديو، ونشاهده في بيتي، والدتي سافرت على أي حال فلا بأس لو جعلنا الاحتفال في منزلي.
هل تعرف تلك اللحظة في أفلام الكارتون، حين يشعر البطل بما يشبه كسر الزجاج في الخلفية، كإعلان عن أن أمر ما قد فسد؟! هذا ما شعرت به حين مددت يدي في جيبي ولم أعثر على مفتاح الشقة، لأتذكر أني قد نسيته في الداخل وأغلقت عليه الباب.
هل توقف سوء الأمر عند هذا الحد؟ بالطبع لا، من حيث لا أدري ولا أحتسب، انشقت الأرض عن السيد عبد القادر جاري العزيز. حقًا، لم يكن ينقصني سوى ظهوره!
نسيت المفتاح يا “عامر”، هكذا قال، يا لهذا الجيل المهمل، كيف سارت مقابلة العمل يا ولد؟
بخير يا سيد عبد القادر سارت على ما يرام، أجبته في اقتضاب، قبل أن أجده يجرني من ربطه عنقي نحو شقته، وهو يقول “هيا أنت وصديقك ستبقيان عندي حتى الصباح، وقتها سنجد من يفتح لكما الباب”.
انهمك الرجل في أكل الطعام الذي حضرته لسهرتي مع “معاذ”، وبعد أن حضرت الشاي، كان لدى السيد عبد القادر قصة جديدة، أقسم أنها لم تحدث أبدًا.
حتى مساعدي الأسكندر الأكبر وقعوا في هذا الخطأ، هكذا قال بينما يقطم اللحم في نهم، ثم تابع، تعرفون يا أولاد أن مقبرة الاسكندر الأكبر مفقودة ولا أحد يعلم مكانها حتى الآن؛ وهذا لأن الكاهن الذي أغلق المقبرة نسي مفتاحها في الصحراء بينما كان يتأمل، ولم يستطع إيجاده مرة أخرى.
ارتسمت ملامح الدهشة ذاتها على وجهي أنا ومعاذ، بينما تابع الرجل كلامه، الذي اختلط بطعم الأرز واللحم المشوي، وقال: لم يرغب ابن ذلك الكاهن أن تلعن كتب التاريخ والده، فأحرق خريطة المقبرة، وصاغ بدلًا منها أسطورة عن سرية مقبرة الاسكندر الأكبر، ليبقى السر حتى اليوم.
نام ثلاثنا حتى الصباح، وحين أشرق نوره أحضرت نجارًا ليكسر الباب ويغير لي مفتاحه، لأتمكن أخيرًا من الدخول، وبينما أخلع معطف البدلة، سقط شيء معدني على الأرض، لتتضح لي صورة كل ما حدث.
في المعتاد، أضع مفتاح المنزل في جيب البنطال، ولكن لأنني ارتديت بدلة هذه المرة، غيرت مكانه ووضعته في جيب المعطف، وبالتالي فالمفتاح كان معي طوال الوقت. لم أخبر “معاذ” بذلك أبدًا سيلكمني في وجهي إن اكتشف ذلك.