بقلم – جلال الدين محمد
خططت لارتداء حُلتي الرسمية الأنيقة؛ استعدادًا لزفاف صديقي. هذا التخطيط لم يشمل أبدًا التأكد من جاهزيتها أو كيها، فهو لم يتعدى فكرة في رأسي؛ لذلك لم يكن غريبًا أن أجد أوساخًا في القميص منذ الزفاف السابق الذي حضرته قبل شهرين.
على أي حال، قمت بتنظيفها وتركتها لتجف، ثم أطلقت العنان لأفكاري لتدور كما تُحب طوال اليوم. الزفاف هو لصديق طفولتي، لا أصدق أني عرفت نفس الشخص لخمسة عشرة عامًا كاملة، تغيرت شخصيتي خلالها عشرات المرات ولم يتغير أي شيء بيني وبينه.
تذكرت حين عرفته لأول مرة، كنت قصيرًا جدًا أعاني من مشكلة في النمو، غزير الشعر وكأني لم أحلقه منذ ألف عام، وكان سمينًا على نحو يبعث على الضحك، ذلك القادم من ليبيا هربًا من الحرب، صار أقرب لي من أخي.
يعرف كلانا عن الآخر حبه الأول وكيف شعر حين دق قلبه تجاه تلك الفتاة التي صارت أمًا الآن، وكم المبالغات التي كنا نقولها عن أنثى لم نتحدث معها سوى مرة أو اثنتين، والاحتفال العظيم الذي كان يُقام لأن فلانة ضحكت على نكتة قلتها.
أذكر بهجتنا حين ابتعدنا عن المنزل مسافة كانت كبيرة بالنسبة لنا وقتها، وكانت لدينا ما يكفي من الشجاعة لعبور ممر المشاه العلوي فوق الطريق السريع، يا له من إنجاز عظيم!
الوجهة الأولى التي قصدها كل منا حين انفطر قلبه بسبب مشكلة عائلية هي الآخر، نفس الكلام تقريبًا واسينا به بعضنا البعض، وكأنك تتحدث إلى نفسك وترغب في أن تسمع تلك النصائح بصوت عالٍ.
من الرائع بحق أن تجد من يشعر بالسعادة من قلبه، حين يراك تتغير للأفضل في كل يوم، ويهاجمك بصدق حين يجدك تحيد عن الصواب، ويحفزك على فعل ما جبنت نفسك عن فعله رغم إدراكك لصحته.
انتهت في حياتنا حقبة تلو الأخرى، ودعنا الإعدادية والثانوية، وحتى الدراسة الجامعية، سرنا في دروب مختلفة من الحياة ولم يتغير ما بيننا أبدًا، حتى الشجار النادر كلانا يعلم أنه سوف ينسى كل شيء حين يرى الآخر بعده.
اليوم يُحقق صديقي أحد أكبر أحلامه بالزواج وتأسيس بيت أرجو من الله أن يفيض منه الحب والسعادة والرضا، والأطفال الرائعين الذين يزيدون البهجة والسرور أضعافًا مضاعفة.
هو يعلم أني أكره حفلات الزفاف، ولكني أجبرت القميص على أن يجف في الموعد المناسب، وقمت باستئجار سيارة خاصة لأبدو فاتنًا في الحفل. لن أرقص لأنه ليس من طبعي، لكن قلبي سيفعل في كل لحظة أراه فيها سعيدًا.