أخبار

متاهة نفس

ضياء علي

 

ثمة لحظات لا يعرف الإنسان كيف وصل إليها، كأنه استيقظ في منتصف طريقٍ لم يبدأه، ولا يدري إلى أين يمضي…كل شيء حوله مألوف وغريب في آنٍ واحد، كأن العالم تغير في غيابه، أو هو الذي تغير دون أن يشعر؛هناك..في تلك المسافة الضبابية بين المعرفة والذهول، يولد السؤال الأول… وتبدأ متاهة النفس

إنها تلك اللحظة التي يغيب فيها عن الدنيا وهو فيها، ويغيب عن الناس وهو بينهم،يسأل نفسه..أين أنا؟ وأي دربٍ أقطع؟ وأي حالٍ صارت إليه هذه الحياة؟ فإذا هو بين يديه حطام من ذكريات، وأمام عينيه أطياف من آمال لم تُستكمل، وخلف ظهره ركامٌ من أيام أُنفقت في السعي والقلق والانتظار…

 

ويأتيه الخاطر كالسهم..ما جدوى كل هذا؟

أهو عابرٌ في هذه الأرض مثل غيمة لا تمطر؟ أم هو كالشمس تُشرق على الدنيا لتراها، ولا ترى نفسها إلا غاربة في المغيب؟ عندها يطول صمته، ويتحول صمته إلى سؤال، وسؤاله إلى وجع، ووجعه إلى يقينٍ بأن الإنسان مهما بلغ، فهو مخلوق محكوم بالبحث عن ذاته في متاهات الوجود

 

في تلك اللحظة، تتكاثر الهواجس في صدره كما تتكاثر النجوم في ليلٍ بعيد، بعضها يضيء له الدرب، وبعضها يجره إلى ظلمة لا قرار لها…فيسمع من داخله صوتاً يقول “الدنيا هكذا.. لا تكتمل لأحد، ولا تصفو لأحد.” فكل مسرة تعقبها كآبة، وكل فرح يجر وراءه ذكرى ألم، وكل لقاء يخفي في طياته وداعاً مؤجلاً

 

وهكذا يعيش الإنسان بين نقيضين قلبٌ يتشوق، وعقلٌ يتأمل.. عينٌ ترى ما حولها، وروحٌ تفتش عما وراء ما تراه..وكأنه مسافر أبدي، حقيبته من الأوهام والذكريات، وجوازه من الصبر والانتظار، وميناؤه مجهول لا يعرفه إلا حين يصل إليه

 

فيا لَروعة هذه الحالة ويا لمرارتها في آنٍ واحد إنها السجن وهي الحرية، إنها الغربة وهي الوطن، إنها الحياة في أصدق صورها، يوم يواجه الإنسان نفسه عارياً من كل زخارف، فلا يبقى أمامه إلا سؤالٌ واحد

هل أنا ماضٍ حيث يجب أن أمضي؟

أم أني مجرد ظلٍّ يتبع صاحبه حتى يذوب مع غروب النهار؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!