✍️ يوحنا عزمي
بداية فإن ما دفعني لأن اقول ما سوف اقوله تباعا ، هو توقعي بأننا سوف نشهد في مرحلة ما بعد الحرب علي غزة ، موجة جارفة وغير مسبوقة من التطرف والعنف والإرهاب بمختلف صوره ومظاهره واشكاله ، وهي الموجة التي لن تقتصر تداعياتها واخطارها المدمرة علي الأراضي الفلسطينية المحتلة وحدها ، وانما سوف يتسع مداها ويمتد إلي الشرق الأوسط كله. ان لم يكن إلي العالم برمته ..
وقد لا نبالغ إذا شبهنا ما يمكن ان يحدث في المرحلة القادمة
من تطور مسارات الأحداث المتوقعة بأعصار تسونامي الجامح
وهو الإعصار الذي سوف يدفع العالم كله ثمنا باهظا له من أمنه واستقراره ومن سلامة شعوبه ومجتمعاته .. فالإرهاب اعمي وسوف يضرب حيث يجد فرصته وطريقه إلي هدفه.
ومن رصدنا لجذور التطرف والإرهاب في بعض مناطق الصراع الرئيسية في العالم ، نجد أنها كانت دائما تنبثق من صراعات تبدو في بدايتها سياسية صرفة ولا علاقة لها بالدين ، ثم يبدأ التشابك بين البعدين السياسي والديني يشق طريقه إليها لتصبح صراعات مركبة ومعقدة لتداخل الأسباب والعوامل المؤثرة فيها والمحركة لها ، حتي ليتعذر تماما الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي
منها عند البحث عن حلول وتسويات لها. وهذا هو ما يزيد تلك الصراعات المختلطة الأسباب تمددا واشتعالا ويجعل من الصعب اخمادها. ومن ابرزها علي المسرح الدولي الصراع الهندي الباكستاني حول إقليم كشمير.
او بعبارة أخري ، فإن العنف والتطرف الذي يبدو في ظاهره دينيا يتولد من رحم الصراعات السياسية التي تحاول الأطراف القوية فيها تدمير الأطراف الضعيفة وحرمانها من حقها في الحياة وتسد في وجهها كل أبواب الأمل ، وعند هذه النقطة القاتلة من الشعور باليأس والإحباط والظلم تتفجر طاقات العنف المضاد ، وتكبر وتتضخم بسرعة ككرة الثلج لتجرف في طريقها الكثير ..
وهذا هو ما ينذر به التطور الأخير في مجريات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد ان وصل إلي أخطر محطاته ومنعطفاته في تاريخه بحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري الذي تحاول به إسرائيل محو هوية الشعب الفلسطيني وانكار حقه في تقرير مصيره وفي ان تكون له دولته المستقلة وفي التعايش إلي جانبها في سلام في إطار من علاقات حسن الجوار والاحترام المتبادل … وهو ما تعارضه إسرائيل وترفضه وتحارب من اجل احباطه وافشاله واغلاق ملفه إلي الأبد بالقوة المفرطة التي تتمادي في استخدامها والتي بلغت ذروتها في حربها الأخيرة علي غزة وهو ما سوف نعود إليه لاحقا في محاولة منا لوضع الكثير من النقاط علي الحروف ولنري ما إذا كان هناك أساس كاف من المصداقية ومن الشواهد الواقعية لما نتوقعه مستقبلا ام ان هذه المخاوف تنطوي علي مبالغة ؟
كيف يبدأ الصراع سياسيا ، ثم يتحول إلي احد أخطر مصادر العنف والتطرف والإرهاب الديني في العالم ..
كان إحتلال السوفيت لافغانستان في ديسمبر ١٩٧٩ بداية التطور الخطير في تصاعد مسيرة العنف والتطرف والإرهاب الديني ليس علي مستوي العالمين العربي والإسلامي فحسب، وانما علي مستوي العالم كله.
هنا تحديدا برزت فكرة الجهاد الإسلامي ضد الإتحاد السوفيتي كدولة لا دينية معادية للإسلام ، وهي الفكرة التي زرعتها واستخدمتها اجهزة المخابرات الأمريكية لاستنزاف قوة الإتحاد السوفيتي العسكرية في أفغانستان من خلال الاستعانة بمن اسموهم بجماعات المجاهدين الذين جلبوهم إلي افغانستان
من العديد من البلاد العربية والإسلامية كمتطوعين للقتال ضد السوفيت في حرب استنزاف باهظة التكلفة بشريا إلي اقصي حد.
كما استخدم الأمريكيون فكرة الجهاد الإسلامي في حشد وتعبئة المجتمع الأفغاني المسلم ضد السوفيت بأيهامه أنهم اتوا إلي أفغانستان لتغيير عقيدته الإسلامية ولمحو هويته وتدمير ثقافته وهو ما ضاعف من كراهيته لهم ومن تصميمه علي اخراجهم من أراضيه.
وفي هذا المناخ المتوتر والمعادي للسوفيت في أفغانستان ، وبدعم تام من اجهزة المخابرات الأمريكية وتحت إشرافها المباشر ، برز تنظيم القاعدة بزعامة رجل الأعمال السعودي أسامة بن لادن كأخطر تنظيم إرهابي في العالم ، تنظيم يعتمد العنف المسلح اسلوبا وحيدا له في مواجهة خصومه علي مختلف الساحات في العالم ويستخدم الجهاد الديني غطاء لانشطته وعملياته .. وقد تمددت اذرعه في كل دول وقارات العالم ، واتسعت مصادر تمويله وتسليحه ، وتضخمت شبكات اتصالاته وقواعد تجنيد عملائه ، كما وجد من حكومات بعض الدول من تمنحه الملاذات الآمنة وتحتضن قياداته وزعاماته وتوفر لهم الحماية التي يبحثون عنها.
وخارج مهماته القتالية في أفغانستان التي بدأ وانطلق منها ، كان لعملياته الإرهابية العنيفة خارجها اصداؤها العالمية المدوية ، ومنها تدمير سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية في كينيا وتنزانيا في اغسطس عام ١٩٩٨ في توقيت متزامن أدهش العالم لدقة توقيته وتنفيذه في دولتين افريقيتين في آن واحد ، وكان ضحايا تفجيرهما بالمئات من الدبلوماسيين الأمريكيين ومن الإداريين العاملين فيهما ومن المتعاملين المترددين عليهما ، ثم جاء زلزال تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك في ١١ سبتمبر ٢٠٠١،
وهو الحدث الذي اعترف تنظيم القاعدة بمسئوليته عنه ، واعطي امريكا المبرر في إطلاق ما اسمته بالحرب الدولية علي الإرهاب التي قادتها وتزعمتها وكانت وراء انتهاج الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن لاستراتيجية الحرب الاستباقية المعروفة للتعامل بها
مع اخطار الإرهاب الدولي لضربه في اوكاره ومعاقله قبل حدوثه حتي أصبح العالم بعد ١١ سبتمبر غير ما كان عليه قبله ..
اقصد بالمناخ الهيستيري الذي وضعت امريكا العالم كله فيه معها وإعلانها ان من لن يقف معها في حربها علي الإرهاب ويدعمها فيها بكل امكاناته ، فإنها ستعتبره ضدها وسوف تتعامل معه كعدو لها وبدأت فرزها وتصنيفها لمواقف الدول منها علي هذا الأساس اي بمعيار من ليس معها فهو عليها .. وهو ما كان يعني رجوعها للتعامل مع العالم بعقلية الحرب الباردة القديمة في الخمسينيات من القرن الماضي.
وهكذا بدأ الصراع سياسيا بأحتلال السوفيت عسكريا لافغانستان ثم أصبح دينيا وسياسيا في آن واحد ، وانتقلت مسئولية إدارته
من السياسيين إلي قادة منظمات الإرهاب الدولي كبن لادن وغيره باعتبارهم القادة الميدانيين والاقدر علي إدارة المعارك وحسم النتائج من غيرهم .. وهنا اختلطت الأدوار والأوراق حتي لم يعد من السهل فصلها عن بعضها لنعرف من كان منهم صاحب القرار النهائي والأخير في كل ما كان يجري وقتها علي الساحة الأفغانية ومن ذلك أنه بعد خروج السوفيت من أفغانستان مرغمين بفعل هزيمتهم العسكرية بعد ان خسروا حربهم الفاشلة فيها والتي استمرت تسع سنوات ، انتقل الحكم في كابول إلي تنظيم طالبان الديني المتشدد دينيا ، ورغم غزو أمريكا لافغانستان في اكتوبر ٢٠٠١ واحتلالها لها لتدمير تنظيم القاعدة الإرهابي لمسئوليته عن زلزال ١١ سبتمبر ، إلا ان المقاومة الإسلامية التي قادتها حركة طالبان هذه المرة ارغمتها علي الانسحاب من افغانستان مثلما فعلت القاعدة من قبل مع السوفيت ، ولتعود حركة طالبان الدينية إلي سدة الحكم من جديد …
ولا تزال طالبان علي تطرفها في تمسكها بمفاهيمها الدينية المتزمتة .. وهذا نموذج واحد لانبثاق التطرف والإرهاب من الصراعات السياسية العنيفة ، وهو النموذج الذي تلته نماذج اخري. انتهت باطرافها إلي نتائج ربما كانت أعنف واشد.
رغم ان بداية العنف والتطرف الديني المنبثق اساسا من صراعات سياسية حادة في مناطق ساخنة ومحتقنة كانت مع تنظيم القاعدة الارهابي الذي قام بدوره في مقاومة الاحتلال السوفيتي لافغانستان، ثم اخذ خطره يتمدد عالميا بسرعة هائلة، الا ان التطور المخيف في ظاهرة العنف الديني المتصاعد جاء مع احتلال امريكا وبريطانيا للعراق في ٢٠٠٣ بذريعة علاقة نظام الحكم فيه بتنظيم القاعدة الذي اعترف بمسئوليته عن احداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ التي زلزلت امريكا والعالم. ، وكذلك بسبب اصراره علي انتاج اسلحة دمار شامل ، وهي المزاعم التي ثبت زيفها وبطلانها كلها وانعدام الاساس الذي بني الامريكيون وحلفاؤهم البريطانيون اتهامهم للعراق وتذرعوا به في تبرير احتلالهم له…
هذا الاحتلال الأمريكي البريطاني الذي رافقه دخول الجماعات السياسية الشيعية الموالية لإيران إلي العراق لتصبح شريكا رئيسيا في الحكم مع المحتلين الأمريكيين ، هو ما ولد نزعات العنف والتطرف السنية الجديدة التي تفاقمت وتمخضت عن ظهور اعنف التنظيمات الارهابية واكثرها دموية وشراسة في تاريخ الإرهاب الدولي ، وهو تنظيم داعش الارهابي الذي تراجع امامه خطر تنظيم القاعدة ، ولم تكتف داعش بمقاومة الاحتلا الأمريكي وعملائه المحليين ، وانما اعلنت ان هدفها الأساسي هو إقامة دولة الخلافة الإسلامية في العراق وبلاد الشام.
كان ظهور داعش في مثل هذه الظروف السياسية الصعبة في العراق وفي المنطقة العربية باسرها ، تطورا خطيرا للغاية بالنظر
إلي ما انطوي عليه هذا التنظيم الإرهابي المتطرف والمغلف برداء ديني كاذب وغير حقيقي ، من نزعات عنف جامحة ، ومن استعداد بلا حدود للتدمير والتخريب والقتل العشوائي كما لم يفعل اي تنظيم إرهابي آخر في اي مكان.
وهذا التنظيم الإرهابي الجديد الذي تولد عن تنظيم القاعدة وتفوق عليه في مستوي البطش والترويع والعنف الدموي المنفلت وفي اساليبه الوحشية وغير الإنسانية التي استخدمها لتنفيذ مشروعه الجديد ، قلبت الأوضاع في الشرق الأوسط رأسا علي عقب بسبب اخطاره وتهديداته المتصاعدة لكل دول المنطقة ، وبسبب الخوف الذي اشاعه حول المدي الذي سيذهب اليه في تنفيذه لخططه ومشاريعه وعملياته ، وحول مصادر تمويله وتسليحه واسليب تجنيده لاتباعه ، الخ.
لقد ادخل داعش المنطقة كلها في متاهة كبيرة وفي نفق مظلم طويل زادت الأوضاع تعقيدا فوق ما كانت عليه مع تنظيم القاعدة فارهاب القاعدة كان محصورا في استهداف الخارج فقط، اما إرهاب داعش فكانت دائرة استهدافه تشمل الداخل والخارج معا وفي نفس الوقت ، وكان ذلك هو اخطر ما فيه.
وما فعله داعش في العراق وسوريا وما يزال يفعله حتي وان تراجع بعض الشيئ ، يقدم نموذجا عمليا مجسما للكيفية التي
يمكن ان بتولد بها التطرف والارهاب والعنف الجامح من رحم الهزائم العسكرية والسياسية ، من فشل انظمة الحكم في تامين سلامة شعوبها ومجتمعاتها كما حصل ابان الغزو والاحتلال الأمريكي والبريطاني للعراق عندما هرب النظام وترك الشعب
يواجه كارثة الإحتلال وحده ، وكان بعدها ما كان.
أريد ان اقول هنا ان التسلل والاختراق من قبل هذه التنظيمات الإرهابية العنيفة والمنفلتة يأتي اكثر في لحظات الضعف والهزيمة والانسحاق امام قوي خارجية طامعة في الأرض والموارد. ومن هنا يتصور قادة تلك التنظيمات الإرهابية أنهم هم الأقدر من السياسيين علي الثار والانتقام، وعلي استرجاع الاوطان المسروقة من اصحابها من الطامعين فيها.
اتساقا مع التوجه الذي بدأ يفرض نفسه والذي سلفت الإشارة
إليه وهو بروز جماعات المقاومة الدينية في مقدمة الجماعات والتنظيمات المقاومة للاحتلال الاجنبي وتصدرها المشهد السياسي كما حدث في افغانستان وبعدها في العراق ، فإن حركة المقاومة الإسلامية حماس ، وجماعة الجهاد الاسلامي في غزة هي التي قادت حركة المقاومة المسلحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومنذ البداية أعلنت هذه الجماعات المقاومة للاحتلال رفضها للحلول السياسية الهزيلة للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية
حق شعب في تحرير نفسه من كابوس الاحتلال الجاثم علي صدره وتقرير مصيره ، كما رات في الحلول السياسية المطروحة اضعافا وتمييعا لقضية وطنية بمثل هذه الاهمية لشعبها ، وان استمرار التحرك في هذا الإتجاه بلا جدوي كان يمنح إسرائيل الوقت والظروف لتنفيذ مخططاتها الاستيطانية والتهويدية لفلسطين.
ومن ثم، فإن حماس بشكل خاص لم تكن تثق في غير المقاومة المسلحة طريقا مضمونا وموثوقا فيه لتحرير كامل الأراضي الفلسطينية ، وليس غزة وحدها ، من احتلال استيطاني شرس ومصمم علي ابتلاعها وتدمير هويتها العربية واخراج شعبها منها.
اما عن الفرق بين جماعات المقاومة الفلسطينية المسلحة بطابعها الديني المميز لها، وبين تنظيمات إرهابية متطرفة كتنظيمي القاعدة وداعش ، فهو انها جماعات اكثر سلمية واوضح هدفا ولا تعتنق العنف المسلح والترويع منهجا لها لفرض وجودها علي الآخرين كما تفعل القاعدة وداعش ، وانما تحصر اهتمامها كاملا في تحرير وطنها من قبضة المحتل الإسرائيلي ، ولا تحاول الذهاب ابعد من ذلك بحثا لها عن اهداف اخري تبرر بها وجودها ..
اعني بذلك انها حركات نضال وطني مسلح ومقاومة مشروعة تجيزها كل القوانين الدولية ولا تحظرها .. وهي حركات واضحة المعالم ومحددة الاهداف ، ووصمها في اسرائيل والغرب بالإرهاب انما هو محض كذب وافتراء لتشويهها والتشهير بها ، ولتاليب الغرب ضدها بتحريضه لوضعها علي قوائم الجماعات الإرهابية التي يحظر التعامل معها .. فالهدف من تسويد صورتها هو خنقها وتشديد الحصار الدولي عليها لتدميرها.
وغاب عن بال كل من هاجموا حركات المقاومة المسلحة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ، أنه لو كانت الحلول السياسية التي انساقت السلطة الوطنية الفلسطينية وراءها وارادت ان تمنحها فرصة ، كما حدث مع اتفاقية اوسلو ١٩٩٣، وقبلها في مؤتمر مدريد الدولي للسلام والذي خرج بصيغة الأرض مقابل السلام كأساس لحل النزاع الفلسطيني بصورة عادلة ونهائية ، اقول لو ان هذه الجهود التفاوضية بالطرق الدبلوماسية نجحت واثمرت النتائج المرجوة ، لما كانت هناك حاجة إلي هذه الجماعات والمنظمات
من الأساس ، ولكانت الأجواء العامة في المنطقة اكثر هدوءا واسترخاءا واستقرارا من كل ما رايناه في السنوات الأخيرة.
حيث تعددت حروب إسرائيل العدوانية علي غزة .. وكان تأتي
إليها في كل مرة بقائمة اهداف طويلة من اغتيال قيادات وتدمير بنايات سكنية ومن اعتقالات واعدامات وتخريب شرايين حياة سكان القطاع مع إغلاق المعابر وقطع كل اشكال المساعدات الإنسانية عنهم لتيئيسهم واجبارهم علي النزوح والفرار من جحيم الحياة في غزة وتركها لهم.
ألم يكن هذا هو الواقع الكئيب والمحبط الذي ظل يلقي بظلاله القاتمة واجوائه الخانقة علي غزة وشعبها حتي صباح يوم السابع من اكتوبر الماضي؟.
وهل كانت هناك اي فرصة أمام شعب غزة في ظل كل هذا القهر والقمع والعدوان والظلم والقتل والخراب إلا برفضهم لهذا الواقع والبحث عن طريق آخر للخلاص؟.
هل كان أمامهم امل للخروج من هذا النفق المظلم الذي دخلوا فيه بسبب هزيمة يونيو ١٩٦٧ التي لم يكن لهم يد او ذنب فيها وانما فرضت نتائجها عليهم ودفعوا فيها ثمنا فادحا جدا من حياتهم ومستقبل ابنائهم؟.
هل كانت الصورة العامة للاوضاع في غزة كما في الضفة الغربية المحتلة غير ما اتحدث عنه هنا واحتكم إلي ضمائركم في الحكم عليه؟
كان هذا هو المشهد العام في الأراضي الفلسطينية المحتلة حتي صباح السابع من اكتوبر الماضي ، وهو اليوم الذي شهد اعنف زلزال سياسي وعسكري أطلقته حماس في غزة تحت مسمي طوفان الأقصي ، هذا الطوفان الذي كان فاصلا بين مرحلتين رئيسيتين
في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني.
جاء الرد الإسرائيلي علي عملية طوفان الأقصي صاعقا وكاعنف
ما يكون الرد بشن إسرائيل لحرب إبادة عنصرية جماعية بربرية
بلا سابقة معروفة او مماثلة لها في تاريخ العالم .. مع ما صحبها
من تدمير شامل لكافة معالم الحياة الطبيعية في غزة ، مع اغراقها في دوامة من العنف المفرط وفي حمام من الدم بشع ومروع حصدت آلة الحرب الإسرائيلية المتوحشة فيه ما يزيد عن مائة الف شهيد ومصاب ومفقود حتي الآن .. وما يزال الحبل علي الجرار.
كانت هذا الحرب الإسرائيلية الارهابية والممعنة في وحشيتها ودمويتها ، نقطة البداية في تنفيذ مخططات إسرائيلية توسعية سابقة الإعداد والتجهيز بدعم امريكي غير مشروط لها ، مخططات اخطر في طبيعتها وابعد في مداها ونتائجها من كل ما عرفته فلسطين منذ نكبة ١٩٤٨.
لقد اصبح واضحا وضوح الشمس منذ اليوم الأول لهذه الحرب الإسرائيلية ان هدفها الإستراتيجي الأهم هو اخلاء غزة وتفريغها من سكانها من خلال تسريع عملية التهجير القسري وغير القسري لشعبها منها ، حتي تصبح غزة المخلاة من سكانها مهيئة لتنفيذ كافة المخططات التهويدية المعدة لها من خلال تكثيف حركة الاستيطان فيها بما يتيح محو هويتها العربية ومسح تاريخها وطمسه لتصبح ارضا يهودية خالصة تعج بالمستوطنات والمستوطنين اليهود الذين سوف تجلبهم إسرائيل إليها من كل بقاع العالم شرقا وغربا.
وهنا اقول واؤكد ان تشريد ملايين الفلسطينيين في موجة نزوح جماعي وتهجير قسري بهذه الكثافة الهائلة ، وبهذه السرعة المذهلة والقسوة المتناهية وبعثرة الفلسطينيين في بلاد غريبة عنهم خارج وطنهم الذي ذابوا فيه وعشقوه ، سوف يكون بداية انفجار موجة عاتية من العنف والتطرف الكاسح والمنفلت بمختلف صوره ومظاهره واشكاله الدينية والعسكرية والسياسية والإنسانية ثأراً وانتقاما لما حدث للفلسطينيين في أراضيهم ، ولطردهم منها بالقوة الغاشمة وتدمير قضيتهم بعد اكثر من ثلاثة ارباع قرن كامل من النضال الوطني سياسيا وعسكريا ودفعوا فيه ما دفعوه من دمائهم وأرواحهم وممتلكاتهم وهم يرون ان ارضهم تضيق عليهم يوما بعد يوم.
سوف يكون الرد الذي اتوقعه علي هذه الجرائم الإسرائيلية المدعومة أمريكيا مذهلا وعنيفا إلي اقصي حد ، ولن تقتصر حدود الرد علي الإسرائيليين وحدهم ، ولا من الأمريكيين معهم في ما سوف يجري ، ولكن سوف تتسع دائرة الانتقام وتمتد إلي العالم كله عقابا له علي سلبيته وتخاذله ولأنه أدار لهم ظهره وقت ان كانت عملية ابادتهم وتدمير حياتهم وقتل اطفالهم ونسائهم تجري أمام عيونهم ليل نهار لعدة شهور متواصلة دون ان يتحرك العالم لوقفها ووضع حد لها.
سوف نكون أمام ما هو أعنف وافظع بمراحل من طوفان الأقصي وما يزال للحديث عن احتمالات المستقبل باقيه حتي تكتمل الصورة أمام عيوننا بكافة ابعادها وتفاصيلها كما نتوقعها.