لُجين سامح
عزيزي.
اتذكر اللحظات التي ألقيت فيها قلبي في وجهي عابثًا، وضغطّت على وريدِي الذي تدفّق .. من أجل كلمة.
اتذكر انحدار الساعة إلى الثانية صباحًا، وأنا وأنت أمام بوّابة الخوف.. يحمل كلانا روحًا بين يديه .
حين أخبرتكَ أن الشيب هدّ قلبي، فمسحت على روحي حتى أفناها الصمت..
حين همستُ بأنني أعيش بجسد شخصٍ آخر، لا أعلم عنه شيئًا، بروح ثانٍ لم أقابله قبلًا، بشريان ثالث.. لم أرحب به أبدًا
وأخبرتني أنني مجرد حمقاء.
اتذكر الطرقات على صدري، الأنين الشارد على ضلعي، وسيفُ القلق في رأسي..
اتذكر ثقب يديّ إثر انفلات دمعة، حمم من سطح عينيّ..
وأتساءل لِم؟
لِم كان الأرق مجرد غبار أحمق..
للضحك نغزة عميقة كالبكاء؟
لم حالفني الحظ بالوقوف في النهاية، أنا التي قضيت عمري في المنتصف؟
ولِم ما زلت مجرّد قلبٍ أشعث متضخّم فارق الشعور، النبض.. الحياة بكل ما أخفيه عني!
ولِم في النهاية انفرط عقدُ الكلام، وتوارت لآلآه في الصمت؟
في الضحك؟ في المضي قدمًا نحو الحياة بصدرٍ عارٍ!
انقطعت رسائلي عنّي، بمقصّ الزمن، أصبحت الكتابة محض هراء-لأنها غدت غريبة عني-
الجو خانق بالبكاء، لكنني رغمًا عن أنف الطقس لا أبكي، رغمًا عن أنف غيابك.. لم أرد أبدًا وجودك.
لُجين سامح
رائحة العمر بارود محترق، بجوارك يا عزيزي..الأحلام صراع، والخوف سمة أبدية، يقولون أن الحب هو بداية ونهاية كل شيء، كلحظة الخروج من رحم الحياة برأسٍ قابلٍ للكسر.
كلحظة تفتت الروح إلى أشلاء، مغادرة الجسد للأبد. كلحظة اختفاءك على حين غرة من احتياجي، لوجودك.
اجدد حزني كل يوم، منذ اليوم الأول للقاء، حتى اليوم الأخير لنسيانك.
ملامحك.. بصمة عارٍ أبدية، على جبينِ رحلتي، صوتُكَ بارود مشتعل، في منزل روحي القديم، قلبك..مجرد قلب، أجوف، يضخ الدماء، بلا مشاعر، بلا حب، بلا خوف من النسيان.
ينتهي الأمر، ككل بداية، بقلبٍ أعرج، وروحٍ ممدّة على مقبرةِ الزمن. ينتهي الأمر، كما لم يبدأ أبدًا، كما لم.. ينتهي أبدًا.
عزيزي.
كل الكلمات التي غرقت، انتحرت، ووقفت على سطح رواية تتأرجح- بين المقدمة والنهاية –
كل الكلمات التي توقفت، وانسحبت، وجرت وراءها كبدًا أتلفه الخمر-خمر الخيال-
كل الكلمات.. التي علقت في صدرِ الأيام، بُحّت في حنجرةِ السنون، وأكلها القدر كوجبة خفيفة على العشاء..
اجتمعت، اندمجت، وأصبحت خيطًا طويلًا، من منحوتةٍ أبديّة- نحتها اليأس، والرغبة، والألم-.
لكن ماذا عن الكلمات التي انتهت بفاصلة؟ لأنّ الحبر نفذ؟ لأنّ صاحبها.. خرج من مصحته النفسيّة؟
ماذا عن الكلمات التي توقفت، في الحرف الأول من الخاتمة؟
ماذا عن الفراغات.. التي ملئها عقلٌ صاخب، بواسطة حبرٍ معقود بالصمت!
ماذا عن.. كل الأسئلة التي وقفت عند حلق نقطة، كل الأجوبة التي سبقت العاصفة.. كل الحيوات، التي مضت، لأن كاتبًا أحمق قرر أن يخلّد نكبته كأمسية شعرية!
ربما لا أجد الإجابة، ولا النقطة، ولا علامة الاستفهام.. ولا الكلمات التي هربت من برجِ ملكٍ منسيّ.
لكنني اقرأ، كل الفراغات،كل الحيوات، كل الصمت.. وكأنها الطريقة الوحيدة للنجاة.
لُجين سامح
عزيزي.
نحن هواة الذاكرة، نتربع على عرشِ البعد، في قرية الجفاء..
والمطر يتساقط، ليحفر أخاديدًا بين قلبينا، ليصبح أكذوبة اخترعها قلبي السقم، ليتحول كل شيء إلى طينٍ تشكّل بمعصم الحسرة..
نحن أولادُ اليوم، بعينينِ منتفختين، من صفعة الأمس، من قلق الغدّ، من تقلّب اليوم ..
نحن أبعد من أن تجمعنا كلمة، سطر أو صفحة.
نحن؟
نحن محطّة وقفت في منتصف العمر، آيلة للسقوط، تبحث عن محوّل كهرباء بارد، أو صفحة شمسٍ حارقة..
أو فقط مجرد راكب
محطّة خرجت عن طوع الطريق، تركت ندبة في صحراءِ الأرواح، تختفي كلما مررت عليها حبًا، تتحرق للقاء كلما جفيت عنها بعدًا..
نحن ممرين، انفصلا بالتوازي، نقطة اللقاء اعوجاج قلبكَ إليّ، إسناد روحكَ على النقطة الفاصلة
نحن؟
نحن كما نحن، أنا أحمل الأمل، وأنت تتجرع اليأس، لتنسى.. أنك ردمت قلبكَ تحت سطح الخوف-الخوف من الحب، من الضمير، من الحياة- وحسب!
لُجين سامح
عزيزي.
ماذا لو وقعت في الحب في اليوم الأخير من اكتوبر؟
في الساعة الثانية عشر صباحًا إلا دقيقة؟
ماذا لو.. وقعت في الحب، على مقهى قديم، تكتب شعرًا؟
في لحظة خارجة عن الوقت، في سباقٍ مع الزمن، في الزاوية الأخيرة في العالم؟
ماذا لو لم تقع أبدًا، لو جلست وحيدًا في خانةِ الصمت، تقلّب بصركَ بين هنا وهناك، لو وقعت في حب السماء والأحلام والأيام؟
لو وقفت على حافة جرف الحبّ.. وأعلنت الانتحار
ماذا لو صادف الأمر أن شخصًا ما وقع في حبك ؟
لو أن شخصًا ما انتظرك؟
لو أن عينين رغمًا عن أنفِ الوحدة احتوتك؟
لو أن قلبًا وسعَ قلبك، لو أن روحًا أخذت روحك..
لو.. وقعت في حب نفسك!
لُجين سامح
عزيزي.
كم مرة نظرت إلى سقف غرفتكَ وأنت تعدّ الأحلام التي تساقطت على رأسك ؟
كم مرة اصطدمت بالرصيف لأنّك أفلّت قيادة عقلك؟
كم مرة وقفت أمام المرآة وشعرت بأنّ هناك شخصٌ آخر منك، يعبث بالداخل؟
كم مرة تركت الحياة ندبةً على قلبك؟
أأخمّن؟ بالتأكيد عدد لا يحصى من المرات، في الحقيقة جميعنا، أنا وأنت وذلك القارئ الذي يتلصصّ على رسالتي إليك
إذن أأصل الحياة المتاع؟ أم الشقاء؟
أم امتزاج أحدهما بالآخر لحدّ الجنون
كل منا ينال نصيبه من الألم، لكن هل شعورنا متكافئ؟
ربما أنا سأبكي على كوب قهوتي الذي برد باكرًا، بينما أنت ستبكي على الزمن، والقارئ سيبكي لأن نوبة حزن مفاجئة اعترته
لكن ما هي الأسباب الحقيقية لعدم تكافئنا؟
أن أحمل في صدري إعصارًا، فتخرجه نسمة، أن تحمل في قلبك ثقبًا، فتحفرهُ ذكرى، أن يحمل قارئنا في عقلهِ اليوم والغدّ والأمس.. فتغرقه فكرة!
أهذا السبب حقًا؟ أم البذرة بصدورنا، التي سقاها الزمن، التي أغفلناها عمدًا، التي تركناها أمام الجرف، وبكيناها على أطلال كلمة!
إذن ما المحطة التالية من الألم؟
من البذرة التي انتحرت لأن عالمًا على وسعهِ لم يسعها..
لأنّ القنبلة الموقوتة في صدرنا قد انفجرت!