أخبار

..أوراق الحياة

✍️بقلم/انتصار عمار 

 

هي عصاي التي أتوكأ عليها، عكازي الذي يحملني لقارعة الطريق، وطوق النجاة لغريق لاطمته دروب الحياة، وصفعاتها.

 

 

هي صديقي الذي يرافقني عمرًا، حتى نشيب سويًا، ولا يُعجزنا هرم.

 

 

هي أنا، وروحي في العالم الآخر، برزخي الدائم، داري ومستقري، حُلي وترحالي.

 

 

والقلب الذي يئن لسكناتي، وطريقي حين يُعجزني السير في دروب الحياة.

 

 

و أحرف اسمي المنقوشة على جدران الحياة، هي كلماتي المخطوطة في دواوين شعري.

 

 

وإكسير الحياة الذي يُمدني بالأكسچين، فينبض قلبي ثانية، ويفيق من توقفه.

 

 

والعروس التي تنتظر بشوق موعد عرسها، ورباط مقدس وحبيبها، لا يفرق بينهما سوى الموت.

 

 

حتى وإن ماتت، دُفنت وأوراق الحياة شجيرات لازالت تنبض حياة داخل رحم هذا العالم.

 

 

هي عطور الورد التي يفوح شذاها عبر أحرف رسائلي، فيعانق ناظريك شوقًا.

 

 

ربما لا أمتلك في هذه الحياة سوى قلمي، فهو سلاحي الوحيد في معركة الأنين التي تحتل جميع خلايا جسدي، وتستعمر عقلي.

 

 

هو الأداة الوحيدة التي تربت على قلبي، وتمسح بأدمعي المترامية في أرجاء تلك الرحلة الطويلة من العذاب الذي لم ينته بعد.

 

 

لقد تغير فيها وجه العالم، وملامح البشر، وكل قريب، فالجميع سقطت أقنعتهم، إلا أنت.

 

 

وحدك كنت رفيقي في زمن عز فيه الإخلاص، وقل فيه الصديق، لم تغيرك الحياة، ولم تزعجك دموعي.

 

 

وحدك ترجمان عقلي، ورسول فكري، أنت من تملك القدرة على التعبير عني، فأنت تحيا معي جميع حالاتي.

 

 

ما تخليت عني يومًا، بل كنت لساني الذي يجيد جميع اللغات، لساني الذي يصرخ في وجه الصمت، ويحتضن أوجاع يدي، حين تخنقها العبرات.

 

 

والكتابة بالنسبة لي حياة، أرى فيها وجودي، أجوب من خلالها مدناً، وأحياء، وشوارع متفرقة.

 

 

هي مرآتي التي أرى فيها ذاتي، وأكتشفها، بل وأدعمها، فالكتابة انعكاس لي، وهي أداتي للتعبير عن كل ما يجول بخاطري.

 

 

 ويدور بداخلي، هي عالمي الذي اخترته بكامل إرادتي، وبنيته لبنة لبنة، حتى كبر، وسكنته، واحتضنتني أسواره الوارفة الظلال، وعشت بين أوراقه.

 

 

وما أروعه من لقاء يعانق فيه قلبي، وفكري ملمس سطح أرض ورقتي حين يكتب نبض حسى.

 

 

حين يهمس قلمي في أذن أوراقي، ويُسرها حكاياتي المذابة في فنجان قهوتي.

 

 

فيوم لا أكتب فيه، هو يوم تفلت من عمري، يوم تاهت شمسه، 

 وضلت دربها في عنق السماء، فالكتابة هوائي، ومتنفسي، زادي، ومذهبي.

 

 

هي أشبه بزهر البنفسج الحاني الذي يُضمد جراحي، ويلملم شتاتي، ويسافر بي عبر الزمن لأسكن كوكباً آخر غير كوكب الأرض، أحياه وأناس صنعتهم من وحي خيالي.

 

 

الكتابة هي بمثابة بطاقة إثبات لهويتي، وبدونها لا هوية لي ،هي وطني،حينما قام البشر بنفيّ من عالمهم، هي ملاذي حين يعصف بي الحزن.

 

 

فيرم بي بين ثنايا ربوعها، وتحنو علي، كأمٍ تحنو على وليدها، وهي قيثارتي التي أعزف من خلالها أعذب الألحان، فتتمايل كلماتي فرحًا، وأنا سعيد.

 

 

 

أحياها كفصول السنة الأربع، لا فصل فيها يشبه الآخر، فتارة لوعة، وتارة حب، وتارة هجر، ……، وقلمٌ يتنقل بين كل فصل ليُبدع في رسم، ووصف تفصيلي لحالة كل فصل.

 

 

كما تُلبسُني الكتابة مجموعة مختلفة ومتنوعة من الرداءات، كلٌ حسب طبيعته.

 

 

كم أعشق قلمي! فهو خير صديق لي، يصحبني أينما كنت، لايفلت يديه من يدي، ولا يهجرني، الوحيد الذي يشعر، ويحس بما داخلي.

 

 

بل، ويترجمه، يجلس جواري، ويسألني عما بي، يُحادثني، ويتحدث إلي، ونتشاور، ونتحاور، ونسكب في جوف السماء عطور الحياة، فتفيض أرض اليابس والماء ،فيفوح شذاها بين الآدميين.

 

 

 

الكتابة هي ابنتي التي تُولد في كل موضوع أكتبه، هي أنفاسي مع كل شهيق، و زفير يسكن كل قصيد.

 

 

هي ترجمان عقلي، هي فرسي الذي أمتطيه، فيجول بي في كل مكان، ويصول دون قيود.

 

وتحلق في سماء عالمي، وتغوص خلال ذاتي، لتترجم كل مجهول.

 

 

وتقف على حافة شاطئ الذكريات، وتستخرج زبد أحشاءه، وتفتح سراديبي الخاصة، فتكتشف مكنوناتي.

 

 

بل وتعد الكتابة هي أجمل وسيلة ،تنقلنا من عالم اللامحسوس إلى عالم الملموس والمحسوس، ومن عالم اللاشئ إلى عالم الأهداف والبطولات.

 

 

 ومن العدم والفناء إلى عالم الخلود حيث بقاء دون انقطاع.

 

 

فالكتابة أشبه بجواز السفر الذي نجول من خلاله أي عالم لنكتب عنه، وكم للكتابة من تأثير مدوي، فمن خلال كلمة قد يتغير مجرى حياة، وقد تُنقذ روحًا، أو تُحي ميتًا.

 

 

وجميعنا يمتلك من خلال الكتابة، مكتبة هائلة من السيناريوهات الحياتية المذهلة، والتي تُجسد أدوارنا الحياتية، من مواقف، وتفاعلات، وأساليب.

 

 

 

 وكل هذا من واقع الحياة، وأيضاً للخيال دور هام وفعال في مجال الكتابة، فهو يلعب دوراً حيوياً، إذ يرسم عالماً آخراً يأخذنا إليه.

 

 

يجذبنا لإضفاء السمات الشخصية لدي أفراده.

 

وأخيرًا وليس آخرًا، الكتابة هى روح كل كاتب، بل وهي الهواء الذي يستنشقه.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!