ابداعات

حياة

منة اللّٰه عتمان

“حياة” كلمة، بمجرد ذكرها، تتداخل الذكريات في رأسي كخيوط الكروشيه، منها الملونة المبهجة، ومنها الأسود الذي نُسج من دُجى ليالِ فقدٍ مُخزية، ودموع لا تزال تروي جذور الألم كلما أردتُ النسيان.

يتزامن سيلانها مع بعض الخدوش القديمة التي نُقِشت على جدار روحي، معلنة قدسيتها في المعاناة،

وكأن كل الجِراح إذا داويتها بَرِئت، إلا جراح الروح؛ تظل تنزف حتى الموت.

الأمر أشبه بحقني في الرأس حقناتٍ متتالية دون مخدر؛ حتى وصل الألم إلى حلقي وكأني على وشك الاحتضار، ومن ثم يُقَبَل رأسي ويُرْبَت على كتفي كهدهدة الصغار، وكأنها رصاصة رحمة بعد آهاتٍ دوى صوتها بين أركان العقل، مستنجدة، متمردة، تطالب بحريتها من سجونٍ سرمدية.

أستطيع إرشاد التائهين باحترافية؛ لكني أجهل كيفية الخروج من المتاهة.

 أتقن فنون المواساة لكل من يشكو من ضَجر الحياة؛ رغم شظايا قلبي المهشم التي تنهش بداخلي، يزحف إليَّ الخوف رغم تَسلُّحي ضده؛ لكن بلا جدوى، يأتي على هيئة نوبات حزن مفاجئة؛ فتتأرجح عيناي بين النوم والسهر،

وأسير في الحياة كشخصينِ: مَهزومٍ ومُنتصر.

لكني، رغم حياةٍ تتخللها ألوان، منها القاتم، ومنها الزاهي الذي ربما سيطغى في مستقبل قدري المبهم، علمتني الحياة أن الضعيف سيُدهس بين قضبان قطار القدر، علمتني الجرأة في خوض مغامراتها التي لا تنتهي، علمتني كيف أرصف طرقًا بالحب، رغم قلبي المليء بالندوب.

 أرسلتْ إلىَّ أُناسًا أتعلم منهم الصبر، وكأنهم درسٌ لي في الرضا.

 وقال تعالى:”وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ” لتتغير بذلك النظرة السوداوية إلى نسج أحلامٍ وردية،

وكأني قد مُنِحتُ الحياة من رحم الموت.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!