مقالات

بوتين بين التصعيد النووي والحل السياسي : أي السيناريوهات أقرب للواقع؟

✍️ يوحنا عزمي 

في أعقاب الضربة العسكرية الأخيرة التي تلقاها من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ، والمدعومة بشكل مباشر من عدة دول أوروبية منضوية تحت مظلة حلف شمال الأطلسي ، يجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه أمام مجموعة من السيناريوهات الانتقامية ، تتفاوت في جدواها وتكلفتها السياسية والعسكرية.

هذا التحرك العسكري الأوكراني جاء كمحصلة لقناعة أوروبية متزايدة بأن مواجهة بوتين بحزم ، وتعظيم الضغوط العسكرية عليه ، هو السبيل الأنجع لدفعه نحو طاولة التفاوض وتقديم التنازلات. ويبدو أن الضربة الأخيرة كانت ترجمة مباشرة لهذا التوجه الذي يرى أن التفاوض مع موسكو يجب أن يتم من موقع القوة لا من موقع الاضطرار ، الذي غالبًا ما روّج له الرئيس الأميركي  دونالد ترامب.

لكن ، في ظل هذا التصعيد ، يطرح التساؤل الأهم نفسه بقوة : كيف سيرد بوتين؟

من بين الخيارات المطروحة ، يبدو أن استخدام السلاح النووي – سواء التكتيكي أو الاستراتيجي – يبقى الخيار الأكثر كارثية. فوفق تقييم موضوعي لتداعياته ، من الصعب تصور أن يلجأ بوتين إلى هذا المسار ، ليس فقط لما يحمله من أضرار مدمرة يصعب على روسيا أو العالم تحملها ، بل لأن أي مواجهة نووية محدودة سرعان ما قد تنزلق إلى حرب عالمية نووية شاملة. 

وهو سيناريو تدرك القيادة الروسية جيدًا أنه قد يضعها في مواجهة مباشرة مع القوة النووية الجماعية للناتو ، الذي بات يطوّق روسيا بعد انضمام السويد وفنلندا إليه ، مكملاً بذلك دائرة الحصار الاستراتيجي.

وعليه ، يُستبعد أن يكون الخيار النووي مطروحًا على طاولة الكرملين ، مهما بلغت الضغوط الداخلية أو الخارجية على بوتين.

مرونة سياسية .. لا تصعيد نووي

البديل الأكثر ترجيحًا – والأقل كلفة – يتمثل في أن يُبدي بوتين قدراً من المرونة السياسية ، عبر إعلانه عن الاستعداد لوقف الحرب والدخول في مفاوضات على أساس شروط واضحة تتعلق بضمانات أمنية طالما طالبت بها موسكو. هذه الشروط ليست جديدة ، وهي معروفة جيدًا للأوكرانيين والأميركيين والأوروبيين على حد سواء.

التحرك نحو هدنة دائمة في أوكرانيا والتفاوض على تسوية شاملة قد يلقى تجاوبًا أكبر من الجانب الأوروبي ، الذي يئن من كلفة الحرب اقتصاديًا وسياسيًا. 

الأوروبيون ، على عكس الولايات المتحدة ، هم من يتحملون بشكل مباشر تداعيات الحرب ، ما يجعلهم أكثر قابلية للضغط على كييف لتليين مواقفها ، حتى وإن بدا ذلك غير مرجح في الظاهر.

وعلى الرغم من أن مسار التفاوض قد يبدأ بخطوات بسيطة ومتدرجة ، إلا أن مثل هذه البدايات كثيرًا ما تؤدي إلى تحولات مفاجئة وغير متوقعة ، خصوصًا إذا نضجت الظروف الإقليمية والدولية للتسوية.

لا حرب نووية .. ولا انتصار بالقوة

الرسالة الواضحة في هذا السياق : استمرار الحرب ليس هدفًا في حد ذاته. فالسعي إلى الأمن والاستقرار يظل الغاية التي يتفق عليها الجميع ، حتى من يقاتلون في ساحات المعارك. 

وفي هذه اللحظة الفارقة من تطور الحرب الروسية – الأوكرانية يُرجح أن يغلب بوتين الحسابات الاستراتيجية على الانفعالات الآنية ، وأن يتحرك بدافع حماية مصالح بلاده وشعبه ، لا برغبة في الانتقام أو التصعيد.

قد تتباين تفاصيل هذا السيناريو التفاوضي ، وقد تطول مراحله وتتعقد ، لكن المؤكد أن الخيار النووي لن يكون أداة لحسم الحرب. وفي نهاية المطاف، ستفرض الحلول الدبلوماسية نفسها، مهما بدت الطريق إليها مليئة بالعقبات والتحديات.

وهذه ، في تقديري ، ليست فقط قراءة تحليلية ، بل رسالة تطمين لأولئك الذين يخشون من انزلاق العالم نحو كارثة نووية.

 فالحسابات العقلانية ما تزال ، حتى الآن ، هي التي تتحكم في قرارات الكرملين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!