ابداعات

امرأة لا تُنسى

 

زينب عبد الحفيظ

 

أزحفُ ملءَ البلاد، وأحشدُ من الغنائم نقودًا هائلة،

أسوقُ العبيدَ إلى سجوني المُحصَّنة،

وأقبضُ بيدي المُمتلئة بالخُدوش على الأرض،

أنهَب، وأدّخِر، كلَّ ما تطاله يدي،

أسحقُ تُؤُجًا كُرِّس لها الذهب، وطُعِّمت بالماس،

وأُطعمُ فمي من طِيبِ الذات،

وأُقيمُ الحفلات على أشرافِ النصر.

 

النصرُ…

رداءٌ مُحتشم، مُرصّعٌ بالكرامة،

سيظلُّ مُلتصقًا بجسدي، ما دامت أنفاسي تُنثَر في الأجواء.

أحكمُ نصف الأرض،

وأُنخرُ من ترابِ الدول كفوفًا،

فأنا سيِّدُ الغُبار.

 

أقفُ كالصاعقة على رؤوسِ الرجال،

أجرُّ خلفي وحوشًا

تفوحُ منهم روائحُ الغضب.

فالرجالُ – في أرضِ المعارك – كالشياطين؛

يستبيحونَ كلَّ الطرق،

لزحفٍ يُرضي غرائزَ الهيمنة.

 

أُناطِحُ خصمي بقرونٍ حداد،

طُفِئتْ عليها سنونُ الحكمة،

وغُمِد بصلبها الذكاء.

أنا الإسكندر المقدوني،

ابنُ مؤسِّسِ الجيش المقدوني،

ومُحدِّثِ المدن الإغريقية،

تعرفني الأرض من اليونان إلى الهند.

 

أستطيعُ أن أُدكَّ الأرض،

وأخلبَ قلوب البشرِ بالخوف…

لكنّ قلبي أنا

خُلِبَ بالفتنة.

غِبتُ، وغاب منّي الدهاء،

بِتُّ أُحكِمُ سيلَ لعابي،

غزوتُ أرضًا، وما كنتُ أدري أن الأرضَ ستغزوني

بسلاحٍ ناعم، لكنه أشدُّ فتكًا من خنادقي المُمتلئة بالنيران.

 

هُزمتُ أمام خصرٍ مُتمايل،

وهيئةٍ آسرة،

انتُزِعت الأنفاسُ من صدري،

ودسستُ كبريائي في جُعبة ردائي.

فالرجالُ رُجُلٌ،

طويتُ الخرائط من تحتي،

وتقدَّمتُ بعينٍ بهتت بها النساء،

ورُدِمنَ تحت أنقاضِ الشَّبع،

وامتلأتْ بها.

خمدت نيرانُ الحرب بجمالها وفزعةِ ذكائها،

وأشعلت فتيلَ قلبي، فهدر.

 

كانت تلك هي روكسانا…

 

امرأةٌ صغيرة،

مطمورٌ جسدها ببحور الإغواء،

وجهُها مكبَّدٌ بالسحر،

وقعتْ مقلتاي عليه…

أجزم: إن كنتُ راهبًا حينها،

فما كان سينفعني إيماني.

 

وقفتُ على حدود بلادها بيدِ الكره،

وما إن وجدتها مكبَّلة بين قطيعٍ من الجواري،

سقط منّي النفور،

ووضعتُ ما بي من حقدٍ جانبًا.

 

وحينها، أدركتُ أنها الغنيمة الأثمن،

منذ أن اعتليتُ عرشَ العِزّة،

وقدتُ الجبابرة.

امرأةٌ لا تُنسى،

لم أستطع غضّ الطرف عنها.

شرعتُ يدي، ولوّحتُ للسلام أن يعي،

عزمتُ على خلط أنفاسي بها،

ليصدر من غمدنا أرضٌ محاطةٌ بالسلام.

 

لم يتنازل المقدوني عن كبريائه أمام الحشود،

تركتُ لهم الظنون.

فليَنعم الإسكندر بهدنةٍ سياسية

مع أشدّ أعدائه بغضًا،

وليَخلِطْ بدمائه دماء فيليب الثاني.

 

الهسهسةُ تزداد،

فأنا مبهمُ العقل،

بأنثى جبّارةٍ تُطالع غروري باستخفاف،

رغم خضوع رأسها،

ورغم تقييدها،

قُيِّدتُ أنا بأصفاد العشق،

أسقطتْ إمبراطورية الفرس،

وهوَيتُ أنا في هاوية الهوى.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!