لُجين سامِح.
“في الشوط الأخير من النهايات كانت البداية.”
كتبتُ بقلمٍ معطوب:”هل لنا برقصة؟” انفلت الحبر عني فجاءت مشوّهة، انزلقت الراء فصارت: هل لنا بقصة؟
تأملتها وابتسمت، أكملت: هل لنا بقصةٍ تغاير أحداث الواقع؟ تقف حائلاً بين الحلم والحياة؟
تركت قلمي، نظرت لساعتي الثانية بعد منتصف الليل، الحُمى تتصاعد في رأسي، والتعب في جسدي، الأرق ينتحل شخصيةَ اليوم، القاعدة الأولى لليلٍ شتويّ: بعض الموسيقى والكثير من الذكريات..
أكملت كتابة: في الثاني عشر من يناير.
اشتبكت يداي مع يد القدر، بعد تسعة عشر عامًا من الوحدة.. بدأت أغنيتي الخاصة، على سميفونية مشاعرٍ مُختلطة، ما الحُبّ سوى اندفاع في لحظةِ تعب؟
ما الأمل سوى ابتسامةٌ بقناعِ الخوف!
توقفت عن الكتابة هذه المرة، ولأيام عديدة تلتها، كان هو حيث لم يكن أي شيء قبلاً، كان قلبًا يسير على قدمين، روحًا متقدّة، مشاعرَ صاخبة، راغبة في الحياةِ بملءِ ما فيها..
وكنتُ أنا حيث كنت، منذ تسعة عشر عامًا، يلفني الخوف، عينايَ صامتة، لسانِي معقود، ابتسامتي تسعُ الكون وأنا لا أسع أي شيء.
تضيقُ الأرض عليّ بما رحبت، ثم تنفرج أساريري، كعاصفةٍ لا تعلم إلى أيّ شعورٍ تسير!
كان لقاءًا مرتعدًا في جسدِ الحياةِ، صاخبًا ككل شيء، هادئًا كعكسِ كل شيء..
أسفل ضوءِ القمر، في متاهة الذكريات، التقينا على سفحِ أغنيةٍ هاربة، على أحلامٍ امتزجت فصارت روحًا واحدة.
التقينا بعد أعوامٍ من العزلة والصمت، احتفظت بصمتي حتى رمقي الأخير، لا حاجة لي بالحديث، انتظر النهاية-لأنه بشكل ما لم أحصد بداية من قبل-
يومًا يجرّ يوم، وأنا أقف سجينة الوقت، في محكمةِ الخوف، القلق يلفني من كل اتجاه، الحُب القاضِي، وأنتَ المُدعّي!
لا أعلم أأجر نفسي نحو الإعدام، أم أصبح حرة بلطخةِجريمةِ القلق!
وهنا.. بدأت النهاية.
يتبع..
كانت النهاية تلتف حول خصرِ الأحلام في رقصة، مع لحنِ الوداع.
وقفت أمام المرآة، شعرت بعيني المتهالكتين، رأسي الخَرِب، وابتسامتِي البلهاء، لم أكن أنا،
“لا أعيش بالحبّ.” كانت آخر رسالةٍ من المرآة إليّ.
لم أستطع أن أمدّ طرفَ عينيّ لليوم، وأغضَ الآخر عن الأمس، لم أستطع أن أمضي بلا ترهلات الذاكرة التي تسبقني قبل حضوري بميلين، وبشكل ما لم يستطع هوَ أن يحملَ عنّي قلبي، يضعهُ في وعاءِ الحُب، على نارِ اللقاء، وينضجُ بعد ساعاتِ الخِصام.
كنتُ مُتعبة، خارجةٌ من معتركِي مع نفسي، أحمل راية الاستسلام.. مكتوب عليها بخطٍّ عريض:”نجوتُ عبر صفقة مع الشيطان، أن أضع الحُب جانبًا مقابلَ أن يمنحني عقلاً هادئًا، وروحًا متزنة.”
لكن المقابل لم يغريهِ، فأخذ مشاعري كلها دفعةً واحدة.
لا أخفي عليكم سرًّا، لستُ من هواة العيش من أجل شخصٍ آخر، محاولة المضيّ وفي معصمِي مقتطفُ الخوف، النظر من بعيدٍ نحو أعينٍ مُتقدّة!
كتبتُ له في الأخير:”عذرًا عزيزِي.
لقد ظننتُ يومًا ما أن لي القدرة على بذلِ الحُبّ،
أن لي لسانٌ يهوى الحديث، وروحٌ تمقتُ الحياة.
لم تكن عادتِي أن أحب شيئًا غير الحياة-حد التعب-، غير الأمواجِ والسحاب، القهوة والمطر، الفراشات والتحليق.
لم تكن عادتي الانتظار، مصحوبًا بيأس يهدهده الأمل.
عذرًا عزيزي.. لم يحالفك حظّ أن تقع في حب امرأة عادية، تحمل مشعلَ الحب أيما حلّت.
لم يحالفكَ الحظّ بجعلِ قلبِي الهارب يعود.. إلى مدارات ذاته من جديد.”
كان وداعًا خاليًا من ترف المشاعر، أتبعهُ خوف-لاثنى عشر ليلة-، كان الوداع.. لحظة انعقد لسانِي، لحظةَ هربي للبعيد-تجاهَ رايةِ التحليق-، وتركي كل شيء والمضيّ.
كان حبًّا جمع قلبًا واحدًا وشِبه قلب، تلك كانت المعضلة!