✍️ يوحنا عزمي
بعد سلسلة الانتكاسات العنيفة المتلاحقة التي منيت بها إستراتيجية إيران الإقليمية ، أتصور ان القيادة الإيرانية
أصبحت في موقف يحتم عليها إجراء مراجعة جذرية شاملة لخططها السياسية والأمنية الحالية ، وإعادة تقييم أسسها ومحاورها وأهدافها واولوياتها وآلياتها ، بعد ان نسفت المتغيرات الإقليمية الجديدة الكثير منها ، وقلبت معادلات وموازين القوة الإقليمية في هذه المنطقة من العالم رأسا علي عقب .. والشواهد علي ذلك كثيرة مما يغنينا عن الخوض في التفاصيل.
والمنطلق الأساسي كما أراه نحو أي تغيير سياسي حقيقي في إستراتيجية إيران الإقليمية ، يجب ان يكون بنزع اللون الطائفي الصارخ الذي تتدثر به استراتيجيتها حاليا ، وتتخذه معيارا لبناء تحالفاتها الإقليمية والدولية واساسا لتقاربها مع أطراف معينة وابتعادها او حتي لعدائها مع أطراف أخري وسوف يساعدها ذلك علي الانفتاح علي كل دول المنطقة من منظور سياسي واستراتيجي اكثر مرونة واتساعا وابعد مدي من منظورها الحالي ويجب ان تعرف إيران أنه لم يعد هناك مكان لمحاور شيعية او سنية ، او لمليشيات طائفية مسلحة واحزاب دينية ذات توجهات مذهبية معينة تعمل لحسابها داخل هذه الدولة العربية او تلك وتثير الشكوك طول الوقت حول دوافعها وأهدافها ونواياها من وراء زرعها لها هنا وهناك.
وكل الصور الذهنية السلبية المنطبعة عنها لدي معظم دول المنطقة يجب ان تتغير وتختفي ، لتحل مكانها صور ذهنية اكثر إيجابية عنها كدولة جوار طيبة ومسالمة لا تضمر الشر لاحد ولا تشكل خطرا علي أمن جيرانها .. لا تتدخل في شئونهم الداخلية ، ولا تهدد استقرارهم ولا أنظمة الحكم في بلادهم بأي شكل من الأشكال.
كما يجب علي القيادة الإيرانية ان تقتنع بأن تعزيز فرص الأمن والتعاون الإقليمي المشترك هو الطريق الذي لا طريق غيره نحو إعادة بناء علاقات كافة دول المنطقة ببعضها ، وذلك من منطلقات جديدة ولاهداف يتقاسم الجميع ثمارها ويتشاركون في دفع تكاليفها وان الشعارات وحدها لا تكفي ، وانما لا بد من ترجمتها إلي مشاريع ومبادرات إقليمية نابضة بالحيوية والنشاط علي أرض الواقع .. ووقتها قد تقدم هذا المنطقة إلي العالم نموذجا ناجحا للتكامل الاقتصادي الإقليمي الذي يمكن ان يدفع بها خطوات واسعة للأمام ويزيل الكثير من توتراتها وصراعاتها وخلافاتها الراهنة.
وفي هذه المشاريع الاقتصادية والتنموية الإقليمية يمكن ان يكون لإيران دور محوري كبير .. فما الذي يمنع ؟ فالفرص متاحة ، والإمكانات حاضرة ، ولا ينقصها سوي تفعيلها.
إيران حاليا أمام تحديات حقيقية بالغة الأهمية ، بل وربما تكون اكثر أهمية من كل ما سبق لها ان واجهته من تحديات ، وأتصور أنه قد حان الوقت الآن لأن تخرج علي المنطقة بوجه جديد وبسياسات مختلفة عن تلك التي درجت علي انتهاجها والتشبث بها رغم الخسائر والأضرار الفادحة التي تسببت فيها لها وزرعت جداراً عازلا من عدم الثقة بينها وبين جيرانها وزادتهم ابتعادا عنها ونفورا منها ، سياسات يمكنها ان تحظي بقبول إقليمي واسع لها وبتجاوب عربي قوي معها بعيدا عن المعايير الطائفية والمذهبية الضيقة والأحزاب الدينية بولاءاتها وانتماءاتها المشبوهة والمليشيات المسلحة والحرس الثوري وفيالقه المعروفة كفيلق القدس وغيره ، وغير ذلك من الأدوات التي لم تعد تصلح للتعامل بها في المرحلة القادمة لفشلها ولضيق دول المنطقة بها ورفضها لها ولأنها تحاول ان تفرض عليها ما لا يمكن ان يقبله او يتحمله واقعها او يتفق مع ظروفها كمجتمعات عربية لها ثقافاتها وتقاليدها الخاصة بها وهو ما تتجاهله إيران حاليا ولا تقيم وزنا له في سياساتها مع جيرانها ومن يدري فقد نكون وقتها أمام شرق أوسط جديد فعلا وقادر علي توفير الأمن والتقدم والتنمية والرخاء والسلام والازدهار للجميع وهو ما لن يتحقق إلا بالتعاون الاقليمي المشترك .
ويبقي علي إيران ان تتحرك وان تبادر بشجاعة لأن تخطو الخطوة الأولي في هذا الإتجاه .. وعلي قيادتها ان تكون علي مستوي التغيير المطلوب وهذه هي صناعة التاريخ لمن يفهم معناها علي حقيقته.