ابداعات

الإثم

زينب عبد الحفيظ

وهجه يخترق جلدي ولا يكف عن الهمس داخلي، يغمرني الإثم بحرارة غامضة، ويتمتم في أذني،
أنا وُلدت من رحم شهواتك المضمرة بداخلك، لا تسبني، بل سب شياطينك،
تنظر أيها المعتوه إلى غريزتك، تنهل من رمق الخطايا كيفما تشاء، تزينها، وبمكرٍ وخبثٍ تأتيك بها، فتظن أن لا ريب فيها، ولكن الحقيقة أن الريب فيك، وفي لياليك المقيتة، فتلتقطها بزهوٍ، وتتدحرج نحوها بولهٍ.

يبتسم بازدراء:

“العلة بك.”

وتسخر شفتاه بابتسامة منحرفة، لا توجد أي علة بي، أنا فقط إنتاج حقولك المشبعة بالخزي والذنوب، تفوح منك رائحة الصدأ وكأن المقت معقود بسلسلة على وشك أن تُقتلع من جوفك، فيفتك بك أولًا، ثم بالجموع، ما أنا إلا رذاذ قليل مما يلجمه جوفك، لم تكن بريئًا أبدًا، أيها المضلل، لم تكن نقيًا أنت وأمثالك تقاسمتم السقوط مع الشياطين، وما أنا إلا مسخٌ وُلِد من عقولكم المنهكة،
انفض عن نفسك الغبار وتأمل هيئتك المزرية، تمعن النظر فيك، فما أنت إلا شيطان يقيده العقائد والدين والمجتمع.

هل هو محق؟

وقفت أنظر إلى نفسي في مرآتي المظلمة، فوجدت ظلًا يتراقص بداخلي… لم يكن إلا ظلي أنا.

أخذت الأسئلة تتضارب وبدأت حرب طاحنة بيني وبين نفسي، أحقًا الإثم وُلد من رحم أفكاري، أم أنه تلبّسني فاستحوذ على عقلي؟

أتاني صوته من أعماقي:

“عقلك لم يكن متلفًا بقدر ما كان مريضًا… لكن، أتدري؟ أنت تثير الشفقة، بداخلك أسكن أنا، والشياطين، والكثير من الأشباح. خيالاتها تهيم بك وتطوف دائمًا، ومنهم من يلمس قلبك فتنتفض، ويضيق صدرك، وتئن بألم، فتضعف، وتخور قواك، وتهمهم كالمذعور، تغضب رغم ضعفك… لكن، أكان غضبك مني؟ أم من نفسك؟”

من أين تأتيك هذه الظلال؟ ولمن هي؟

لا أعلم، لكنك لا تتهاون بعدها في صرف الكثير مني، وكأنك تنتقم من ذاتك… يا لك من مسكين

أمعنت النظر داخل عينيّ، فوجدت ظلي يراقص ظلًا آخر لم تتبين ملامحه، لكنه بدا حزينًا، تراجعت بفزع، وجلست على الأرض وانكمشت على نفسي.

تابع حديثه بعدما هزّت ضحكته المخيفة روحي المتصدعة.

“انظر من تراقص… إنه الماضي. الماضي الذي حولك إلى بذرة شر، أينما طُمرت لا تنبت إلا المزيد من الإثم. ماضيك هو اليد الخفية التي تنشب بداخلك النيران، هو الشيء الضعيف بك، والضعيف دائمًا تلتف حوله كؤوس الانتقام، فيرتشفها كالنبيذ المسكر، لكنها لا تنفعه… بل تكون إعلانًا صريحًا منه عن رفع راية الهزيمة.”

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!