مقالات

تحولات السياسة الإيرانية : تأثير الحرس الثوري وتحديات العلاقات الدولية

✍️ يوحنا عزمي 

هذه هي رمال السياسة الدولية المتحركة طول الوقت حيث لا يستقر شيئ فيها علي حال واحد ، وعلينا ان نتابعها حتي نعرف كيف نتعايش معها ونتوافق مع إيقاعها ونتجنب صدماتها علي قدر الإمكان ، وهي مقدمة كان لا بد منها.

فمع إيقاع التقارب الأمريكي الروسي المتسارع بعد سنوات من علاقات شابها الجفاء التوتر والعداء ، وهو التقارب الذي سوف تتسع دوائره وابعاده ومجالاته ، ومع قص أذرع إيران من قبل في غزة ولبنان وسوريا، وتقييدها في العراق واستهدافها في اليمن ، اخذ الدور الإيراني في المنطقة يتراجع وينحسر ويتقلص بشدة ، وبسرعة فاقت كل التوقعات ، ولتفقد إيران عمقها الإستراتيجي الذي كاننت تحتمي به ، وتصبح في حالة انكشاف تام في مواجهة اي هجوم إسرائيلي ، او هجوم إسرائيلي أمريكي محتمل.

وهذه الصدمات السياسية والانتكاسات الأمنية العنيفة المتلاحقة وهذه التحولات الخطيرة في موازين ومعادلات القوة الإقليمية لغير صالح إيران كانت توجب عليها إجراء مراجعة جذرية شاملة لاداء المسئولين عن إدارة أجهزة سياستها الخارجية وأمنها القومي ، وغربلة هذه الأجهزة والاستغناء عن أدوار وخدمات كل من دفعوا بها في الإتجاه الخاطئ بسوء تقديراتهم وتوقعاتهم وتسببوا في هذا الفشل المتكرر ، والذي كانت مؤشراته وعلاماته واضحة بل وناطقة منذ سنوات طويلة.

لكن مع تشديد رجال الدين قبضتهم علي هذه الأجهزة القومية الحساسة ، تراجع دور السياسيين والدبلوماسيين المحترفين والاكثر انفتاحا علي العالم الذي يتعاملون معه بسياسات خارجية مرنة وواقعية واكثر تفاعلا وتاقلما مع متغيراته كل هذا غاب عنها وافتقدته ، وكانت ضريبته هي هذه الخسائ الفادحة والمتلاحقة في الفترة الأخيرة.

تبقي لي هنا كلمة أخيرة أريد ان اقولها ، عن الحرس الثوري الإيراني الذي يهيمن علي سياسة إيران الخارجية بصورة شبه كاملة حتي وان كان ذلك تحت إشراف المرشد الأعلي وبتوجيه مباشر منه.

فهذا الحرس الثوري أصبح دولة داخل الدولة ، ويقبض علي الحياة السياسية في إيران بيد من حديد ، وهو ما يخنق حرية التعبير فيها ، ويدفع بها في إتجاه واحد لا يسمح فيه بحق الاختلاف مع الخط الرسمي للدولة ..

وهو ما زاد من عزلة إيران عن العالم الخارجي ، وعمق من كراهية المجتمع الدولي لها ومقاطعته لها وابتعاده عنها ، ومن عدم تعاطفه معها وكأنها تنتمي إلي عالم آخر تعيش فيه وحدها مع نفسها ، ووصل بها الحال إلي ان أصبح الحرس الثوري يدير الدولة الإيرانية كمؤسسة أمنية صرفة وكمنطقة نفوذ خالصة له ، لا كدولة للجميع بكل شرائحها واطيافها ومكوناتها.

وليبقي الحرس الثوري في دائرة الظل وداخل المربع الخاص به بعيداً عن بحور السياسة العويصة التي لا علاقة له بها ولا دور له فيها .. وبتمكينه من عنق الدولة الإيرانية إلي هذا الحد ، بقيت إيران عند المراحل الأولي من ثورتها الإسلامية لم تتجاوزها إلي ما بعدها اقصد عندما كانت تعيش حالة من الشعور بالخطر والتهديد الدائم وكان دور الحرس الثوري مهما وضروريا لتامينها وابعاد هذا الخطر عنها.

لكن الحال لم يعد كذلك منذ سنوات طويلة استقرت فيها الدولة وكانت بحاجة إلي نمط مختلف من القيادة والإدارة التي تكون السلطة فيها للمدنيين وليس للعسكريين او لرجال الدين الذين فرضوا انفسهم ومنذ البداية علي المشهد السياسي في إيران وتصدروه وبقوا فيه لا يغادروه.

وكان عقارب الزمن قد توقفت بهم عند الثمانينات وهي الفترة التي تغير العالم بعدها في كل اتجاه وبما لم يشهده قط في تاريخه .. كانت الفجوة الزمنية التي تفصلهم عن معطيات الواقع الدولي الذي يتعاملون معه في اتساع مستمر ومع ذلك بقي كل شيئ علي حاله لا يتغير وسواء فعلوا ذلك عن جهل او عن قصد ، فإن الضرر كان فادحا وناطقا.

كان علي إيران ان تدرك خطر انفصالها عن العالم بعدم خروجها من الكهف الذي حبست نفسها فيه ، لكنها لم تفعل ، وجاءت الآن لتدفع الثمن من أمنها واستقرارها ومن رفاهية شعبها ومن تعثر سياساتها وتلاحق انتكاساتها ، والحبل علي الجرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!