ابداعات

نجاة مؤقتة

  

 

بقلم : ندى يحيى 

 

أكتب إليك اليوم بآخر نقطة حبر في قلمي وآخر ورقة في دفتري، أحاول كل مرة تلاشي تلك اللحظة، بحثت عن البديل ليسد خللًا سيخلفه انعدام الشغف، قطعت كل أوراق دفتري في العدم، ظننت أن في آخر الكتاب بداية، رغم أننا اعتدنا أن نهايات الكتب قد لا يعقبها أجزاء جديدة، قد تتلاشى هي أيضًا نحو العدم، تحديدًا كالذي نحن فيه اليوم.

 

نفقد فقط الخطوة الأخيرة للسقوط فيه بأريحية، قررت اليوم بعد كل تلك الشهور أن أحرر آخر قطرة حبر في قلمي بحرية، لأكتب كلمات لا أعرف أين بدايتها من نهايتها، قد لا تُعد كلمات بصدق العبارة، بل هي ستائر تُخفي ما غرقت فيه.

 

ما زلت أفقد قدرتي في التعبير عندما تكسوني الوحشة، كأن تنظر لشخص ما طال انتظارك له دون حركة واحدة، كأنك فقدت حواسك عندها للتعبير عن ما غرقت فيه من وحشة بدونه.

 

طالما سألت نفسي دومًا: ما الذي سنرثه من كل تلك المقاومة؟ لماذا لا يسقط المرء في بحر العدم والانهيار بسكون؟

 

لا أعلم إن كان أجدادُنا قد عانوا من الغرق في بحر الحب ثم الفراق ثم وحشة الفراق، أم أننا فقط من ورثنا الخيبة من كل ذلك، نقيض كل ما يمنحك طعم الحياة.

 

نظرت إلى وجهي عدة مرات اليوم، تأملت اختفاء زهوه ببطء، ولكن أغرب ما في الأمر أنني لا أتذكر كيف كانت تلك الملامح من قبل.

هل يمكن للمرء أن ينسى شخصه؟ ملامحه؟ وكل ما يسكن جسده؟

 

ربما نحن لا نفقد الآخرين بقدر ما نفقد أنفسنا، فنُطفئ في داخلنا كل ما كان حيًا ذات يوم، ونُبقي على أجساد تتحرك بخفة الناجين من الحروب، لكنهم في الحقيقة مجرد حطام نجا من الموت كي يعيش الغياب ببطء.

 

وها أنا، أكتب، لا لأن هناك ما يستحق أن يُقال، بل لأن في الصمت موتًا لا يحتمل، ولأنني أقاوم الفراغ بالكلمات، رغم يقيني أنها لن تُنقذني هذه المرة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!