لُجين سامح
في خضم صراعي معي، جلست القرفصاء على أرضية غرفتي، ويشاركني: كوب القهوة، كتاب، ملابس، حقائب، أدوات التجميل، جهاز الموسيقى – الذي ابتعته من سوق دانيال-، و.. أنت
” ما الذي سنفعله إذن؟”
” سنشرب القهوة..”
أعصابي كانت تجلس في الثلاجة- كما تقول أمي دائمًا-، موعد مغادرة الطائرة الرابعة فجرًا..
والحقائب؟
لم تحزم..
والساعة الواحدة والنصف صباحًا
“دوستويفسكي: الجريمة والعقاب..”
” أتظنين أنه الوقت المناسب للقراءة الآن؟ ”
تأتيني نبرتك التي تكاد تفقد صوابها، لكنني ابتسم فحسب، وتضيق عيناي إثر ابتسامتي، ” عشر دقائق من القهوة، لن ينتهي العالم..”
تخرج للخارج، تتجول بسيارتك، بينما.. أبكي
حسن، اتذكر أحلامي والواقع،
حلمي: رحلة إلى فينسيا في الخامسة فجرًا، مع كوب القهوة، ولا بأس برجل أحلامي..
الواقع: رحلة إلى ڤينسيا، الرابعة فجرًا، كوب أمريكانو، ورجل أحلامي.. الذي غادر حلمي منذ ليلتين
كفتاة في الثانية والعشرين، تظن أن الحياة.. هي عجلة دوارة، لكن تلك التي في مدينة الملاهي، ستسيقظ يومًا تلو الآخر مع ابتسامة وكوب قهوة، وشغف جديد..
لكن..الرجل الذي اخترته منذ عام، اخترت أن أمضي عمري معه، اختار هو.. قلبًا آخر
قبل ليلتين من موعد طائرتي الأولى، قبل ليلتين من تحقيق حلمي الأول..
حسن، لقد كنت مجرد بديل، بديل عن حلمه في امرأة قاسية، بديل عن حلمه.. في بيت متهتك الأطراف
تعود، مع حلوى “الدوناتس”، تبتسم، وتفتح الحقيبة الأولى، وتحشر الملابس فيها
اتأملك، كرجل فقد أهلية المشاعر، كرجل.. يزيف الابتسامة
“هل.. أحببتها؟”
“من؟”
“فتاتك؟”
لم تُفاجأ، ابتسمت، وألقيت الكلمات في وجهي:” حسن.. لست من ذلك النوع من الرجال يا عزيزتي، أنت تعلمين.”
“نعم..أنت ذلك النوع من الرجال، الذي يستطيع الابتسام، وهو يخفي سكينًا في جيب معطفه..”
” صدقيني لا أحمل سكينًا..”
تضحك، لكنني هذه المرة لا اضحك بدوري، أقف عند عبارة: *” إن الإنسان يتعود كل شيء، ياله من حقير.”*
“أتعلم عن ما تتحدث الجريمة والعقاب؟”
“أعلم.. لكن، طالما لا تملكين دليلًا على خيانتي، فلا حق لك بمحاسبتي..”
“حقًا؟”
” الحلوى، بالشوكلاه يا عزيزتي..”
اتأمل، كم تخرج الكلمات من فمك الآن بلا معنى، اتذكر الرسالة:
” عزيزتي..
أنا ذاهب لإيطاليا الأسبوع القادم مع زوجتي، اتمنى أن لا تنغصي علي زواجي السعيد برسائلك..
لننفصل.”
زواجه السعيد؟ ابتسمت حين قرأت الرسالة، لننفصل.. لأن زواجه سعيد، وليس لأن هناك امرأة أخرى في عالمه؟
لننفصل، لأنه ذاهب في رحلة لإيطاليا ولا يريد المنغصات، وليس لأنه يبدل النساء كما يبدل معطفه؟
تعتريني طاقة مفاجأة، “حسن يا عزيزي.. دعنا نتفق اتفاقًا..
ستبقى هنا، وسأرحل.. ولن تلحق بي، وإلا..”
“وإلا؟ ”
“سأبلغ عنك..”
” عن زوجك؟”
“عن الرجل الذي خانني..”
” وما زال ذلك الرجل زوجك!”
دعني أخبرك الحقائق الأخيرة:
الحقيقة الأولى: زوجي سرق خزانة مديره
الحقيقة الثانية: استغل الفتاة من أجل السرقة
الحقيقة الثالثة: الفتاة اختفت قبل أسبوع من الآن، الجميع يبحث عنها
الحقيقة الرابعة: جثة مشوهة الملامح وجدت على جانب الطريق بالأمس
الحقيقة الخامسة: أنا زوجة لقاتل خائن ومختلس- ووسيم أيضًا-
ورحلتنا اليوم إلى إيطاليا ستكون بلا رجعة.
الحقيقة السادسة: لقد تركت البيت يحترق، لكنه خرج.. خرج مشوه الملامح بابتسامة، وهو يلقي إلي جملته:” حسن عزيزتي أنت على حق.. يجدر بي أن ابقى هنا..”
الحقيقة الأخيرة: أضع أحمر الشفاه أمام المرآة، والقوارب تترنح في الأسفل، بطاقتي الائتمانية تجلس على السراحة، وأنت.. تجلس على أرضية الغرفة، تضع مرهم الحروق.
” أتعلم يا عزيزي؟ لم أنت هنا الآن؟”
“لم؟”
“لأنني أحبك.. لم أستطع التفريط بك..”
” يا لرقة مشاعرك..”
ابتسامتك من جديد، و.. في مقهى ڤينسيا، نحتسي- الكابتشينو- ونتبادل الابتسامات.
“حسن إنه الحب..”
والجريمة والعقاب تغمز لي من الحقيبة.