بقلم : يوحنا عزمي
منذ توقيع اتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب وتحول سيناء إلى مسرح ترتيب جديد للأمن والإدارة ، تراكمت طبقات من الواقع المرئي وغير المعلن شكلت معايير جديدة في ميزان القوى الإقليمي.
هذه القراءة تحاول إعادة تركيب الوقائع والمحددات – القانونية والجغرافية والعسكرية والسياسية – حتى نفهم كيف تحولت سيناء إلى خط تماس استراتيجي ، وكيف انعكست هذه الحقيقة على حسابات الردع بين الدولتين.
مختصر محددات إتفاقية السلام مع العدو الإسرائيلي
بعد إجبار إسرائيل علي الانسحاب من سيناء بالقوة (العسكرية – الدبلوماسيه) تم تقسيم شبه الجزيرة إلى أربع مناطق رئيسية وهي
المنطقة ( أ ) و تقع في غرب سيناء بمحاذاة قناة السويس حتى الخط بعمق 58 كم شرق القناة وتضم القوة المصرية العسكريه الضاربه الجيش (الثاني – الثالث) الميداني.
المنطقة (ب) وتقع شرق المنطقة ( أ ) وتمتد حتى حدود العريش و تتواجد بها قوات حرس حدود والشرطة المدنيه.
المنطقة (ج) المنطقة المحاذية مباشرة للحدود مع العدو الإسرائيلي وقطاع غزة وخليج العقبة تشمل شرم الشيخ وطابا ورفح ونويبع ولا يوجد بها اي تواجد عسكري للجيش المصري.
المنطقة (د) داخل الجانب الإسرائيلي بعمق 3 كم شرق الحدود مع مصر يسمح لإسرائيل بتواجد قوات محدودة بها.
إنهارت هذه الإتفاقية بالتدريج بعد ان تظاهر العدو بعدم قدرته علي السيطره علي تدفق الارهابيين الدوليين عبر انفاق غزه لقتال الجيش المصري فيما بعد احداث ٢٥ يناير وجلس في مقعد المشاهد والداعم الخفي للتنظيمات التكفيرية والإرهاب العابر للحدود لاستنزاف قدرات الجيش المصري قي حرب غير نمطيه ومحاولة استقطاع مثلث رفح الشيخ زويد العريش لإعلان قيام دولة (المتمردين) تمهيداً لتهجير سكان قطاع غزه لها وتصفية القضية الفلسطينية والاستيلاء علي اراضيها .
سحقت مصر الارهاب وانقلب السحر علي الساحر واعادت تمركز قواتها الضاربه في كافه مناطق سيناء (أ – ب – ج ) واصبحت علي خط المواجهه مع العدو وجعل حسابات ميزان القوي في صالح الدولة المصريه التي عززت من قدرتها التسليحية بشكل غير مسبوق وتستغل طبوغرافية الارض لصالحها.
محددات الطبوغرافيا العسكريه والتسليح كعنصر حاكم للصراع مع الكيان المحتل
أولاً : مسرح العمليات التكتيكي
الطبوغرافيا هي مصطلح عسكري يعني “علم دراسه الارض” وهي تُمثل العنصر الأكثر حسماً في أي مواجهة عسكرية في الحروب فبالنسبة لإيران أو تركيا ، يفتقدا الإتصال البري المباشر مع العدو الاسرائيلي ويجعل خيار الحرب البرية مستحيلاً معها ويفرض عليها ان يكون اتجاة المجهود الرئيسي يعتمد فقط على الصواريخ والطائرات المسيرة ، وهي قدرات يمكن تحييدها عبر الدفاعات الجوية الأمريكية والإسرائيلية ، أو إسقاطها أثناء عبورها أجواء محايده فضلا عن ان الطلعات الجويه لا تحسم معركة عسكريه مطلقاً.
بالنسبة للمواجهة مع مصر ، فالوضع مختلف شكلاً وموضوعاً نظراً لأن خط الحدود المباشر الذي يفصلها عن العدو يبلغ طوله أكثر من 200 كيلومتر مما يجعل القوات البرية والمدفعية المصرية عنصر ردع لا يمكن تحييده.
ثانيا : القدرات العسكريه المصرية المؤثرة
القوات البرية والمدرعات :
مصر تمتلك نحو 4 آلاف دبابة “تقريباً” وعشرات الآلاف من العربات المدرعة.(المعلن في المصادر العلنيه)
القوة البشرية العاملة :
تقدر بحوالي (نصف مليون) مقاتل ( المعلن ) مع احتياطيات تعبوي مرعب وصادم (رقم غير معلن).
المعركة البرية :
سيتم فيها التوغل إلي عمق دفاعات العدو الإسرائيلي ولا يتطلب سوى ساعات قليلة ، وهو زمن لا يسمح لها بصد الهجوم.
معارك المدفعية الثقيلة :
من الخبرة العسكرية السابقه خلال حرب أكتوبر 1973 ورغم امتلاك مصر لمدافع قديمة أمطرت القوات المصرية مواقع العدو بـ 10,500 قذيفة في الدقيقة الأولى بوزن إجمالي يقترب من 3 آلاف طن من الذخائر واستمر التمهيد النيراني للمدفعية لمده تجاوزت ال ٥٣ دقيقه كأطول تمهيد نيراني في تاريخ الحروب الحديثة ، واليوم تمتلك مصر أحدث أسلحة المدفعية القادرة على تغطية العمق الإسرائيلي بالكامل حتى حيفا والجولان ( رقم ونوعية التسليح غير معلن).
للتوضيح : “دانات المدفعية غير قابلة للاعتراض سواء بالقبة الحديدية أو بأي منظومة دفاعية أمريكية”
معارك القوات الجوية والمدفعية الصاروخية :
المقاتلات المصرية ذات السيادة الجويه اعادت تمركزها في مطارات سيناء (العريش ) مما يجعل زمن الوصول إلى” تل أبيب – حيفا – يافا- ايلات) لا يتعدى دقائق معدودة وأقصر من زمن استجابة الإنذار المبكر الإسرائيلي.
الصواريخ الباليستية والتكتيكية المصرية تضع جميع المدن الإسرائيلية تحت التهديد المباشر.
معارك الدفاع الجوي :
تم اعادة تمركز قوات الدفاع الجوي الصاروخيه في سيناء بالمناطق( أ- ب – ج) مما يسهل لها ان تستهدف المطارات والقواعد الجويه للعدو ما يعني إمكانية الاشتباك وإسقاط الطائرات الإسرائيلية فوق قواعدها مع استهداف مدرجات الهبوط بها بسهولة .
معارك القوات البحرية :
البحرية المصرية سبق وأن فرضت حصاراً ناجحاً على إسرائيل في البحر المتوسط عام 1973 قادرة اليوم وطبقاً لمنظومة تسليحها المتطوره على تكرار السيناريو بقدرات أحدث وأكثر تنوعاً (غواصات حديثة ، فرقاطات ، صواريخ سطح – سطح بعيدة المدى) ( بما هو معلن وغير معلن).
الحصار بحري الساحق سيعزل إسرائيل عن خطوط الإمداد البحرية، ويجبر الولايات المتحدة على الإعتماد على الجسر الجوي بتكلفة عالية وقدرة محدودة.
ثالثا : الأبعاد السياسية والاقتصادية
مصر نجحت كدولة في ربط مصالح قوى كبرى مثل( روسيا ، الصين ، أوروبا والهند) باستقرارها الداخلي مما سيجعل أي عدوان على مصر سيعني تلقائياً تهديد استثمارات بتريليونات الدولارات فضلا عن تهديد مصالحها الاستراتيجيه في منطقه الشرق الأوسط الهادف للحد من النفوذ الأمريكي ما يدفع هذه القوى إلى معاداة الطرف المعتدي.
إستخدام إسرائيل للسلاح النووي
يظل (خياراً انتحارياً) لأنه يعني زوال (8 ملايين إسرائيلي) من الوجود ، لتوابعه الكارثيه عليها والانهيار الكامل للدولة العبرية المزعومة و اختفائها من المشهد ليوم الدين ليتحقق معها نبؤتهم وتخاريفهم التلمودية بزوالهم كل ثمانين عام .
رابعاً : الخلاصة الاستراتيجية
إسرائيل يمكنها ضرب إيران أو تركيا او دول الخليج بأمان نسبي لأن الطبوغرافيا العسكريه للأراضي العربيه التي تحتلها اسرائيل تحميها وتمنحها وقتاً للإنذار والتصدي بينما طبوغرافية الأراضي المصريه تتحول إلى العدو الأول لإسرائيل إذ تقف المدن والقواعد الإسرائيلية على مسافة دقائق من نيران المدفعية المصرية والطيران والصواريخ .
دخول مصر في مواجهة مباشرة مع العدو الاسرائيلي يعني انتحاراً للكيان المزعوم وهو ما يفسر لنا بوضوح لماذا يركز العدو واذنابه المنحطه على حروب (الجيل الرابع) ومحاولات تفجير الداخل المصري بدلًا من الصدام العسكري.
أخيراً : ان التهديد الحقيقي لمصر ليس عسكرياً مطلقاً بل الخطر الداهم عليها يكمن في (حرب المعلومات) التي تستهدف بشقيها (العمليات – الحرب) النفسيه كل فئات المجتمع المصري البطل الصامد عبر التاريخ .
ان الحفاظ على الجبهة الداخلية متماسكة هو الضمانة الأولى لبقاء ميزان الردع في صالح مصر القاهرة ومنع العدو من تحقيق ما عجزت عنه الطبوغرافيا العسكريه حال المواجهة المباشرة معه .