✍️ يوحنا عزمي
لا يعد حلم إسرائيل الكبرى ضرباً من ضروب الخيال ، بل هو مشروع حقيقي طوره تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية ويشمل هذا المشروع ضم أراض تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق ، متضمناً أراض من مصر وسوريا والعراق والكويت والمملكة العربية السعودية وكل الأراضي الأردنية وفلسطين التاريخية.
في عام 2017 ، أصدرت الأمم المتحدة تقريراً يشير إلى أن إسرائيل تواصل تنفيذ خططها لضم أراضي الضفة الغربية مع الإبقاء على الفلسطينيين في ظروف قاسية يعانون فيها العزل والحرمان. ليس ذلك فحسب ، بل ارتدى جنود الجيش الإسرائيلي مؤخراً شارات تحمل رمز “إسرائيل الكبرى” أثناء العمليات العسكرية في غزة ، ويثير هذا الرمز لمخاوف بشأن الطموحات الإقليمية المحتملة ، مما يشير إلى أن استراتيجيات إسرائيل العسكرية قد تتوسع أكثر في الشرق الأوسط بعد انتهاء عملياتها العسكرية في غزة ولبنان.
حدثت لحظة محورية في هذا المسار في نوفمبر 2024
عندما تقدمت القوات الإسرائيلية إلى المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل مرتفعات الجولان المحتلة عن سوريا حيث شرعت إسرائيل في تنفيذ مشاريع بنية تحتية ، بما في ذلك تعبيد طريق على طول الحدود السورية مع الجولان. وتشير هذه الأعمال إلى خطوة إستراتيجية لترسيخ السيطرة على الأراضي المتنازع عليها مما يثير تساؤلات حاسمة حول التداعيات الأوسع على إستقرار المنطقة.
يرى بعض المحللين أن مشروع البناء الإسرائيلي في سوريا قد يمثل خطوة أولية نحو إنشاء ممر استراتيجي يربط إسرائيل بنهر الفرات. وهذا التطور ، إذا تحقق ، قد يعزز بشكل كبير طموح إسرائيل القديم في تحقيق مفهوم “إسرائيل الكبرى”.
والسؤال الذي يطرح نفسه : ما هي العواقب المحتملة إذا نجحت إسرائيل في إنشاء هذا الممر ؟
ما هو الممر الجديد ؟
الممر الجديد هو ممر يبدأ من الجولان السورية المحتلة ويمتد عبر سوريا ليصل إلى الفرات ، حيث تسيطر القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة على جميع المناطق شرق الفرات بما في ذلك الحدود السورية – العراقية. وفي حين غياب معلومات دقيقة حول موقع هذا الممر تحديدًا ، أفادت تقارير إعلامية تركية بأنه قد يمر في جنوب سوريا بالقرب من الحدود الأردنية ، مما يمنح إسرائيل السيطرة على الأراضي الواقعة بين الممر والحدود الأردنية.
الموقع المحتمل للممر الاسرائيلي :
تُحدد هذه الخريطة الموقع المُحتمل لإقامة إسرائيل ممراً افتراضياً إذا نجحت إسرائيل في تنفيذ هذا المشروع ، ستتمكن من السيطرة على مناطق واسعة تمتد إلى الحدود العراقية ، مما يعزز إنشاء إسرائيل الكبرى ، علاوة على ذلك ، فإن حفر الممر بالقرب من الحدود الأردنية مدفوع بمخاوف أمنية ، حيث تظل إسرائيل واثقة من عدم مواجهة تهديدات من الأردن بفضل معاهدة السلام الموقعة بين البلدين عام 1994 ، ويتيح هذا الموقع الإستراتيجي لإسرائيل تركيز جهودها على مواجهة التحديات الأمنية التي قد تعيقها من سوريا.
الفوائد المحتملة التي قد تجنيها إسرائيل من إنشاء الممر :
أولاً ، قد يسهم إنشاء هذا الممر في تعزيز إيمان الجمهور الإسرائيلي بإمكانية تحقيق “إسرائيل الكبرى” مما يحشد الدعم الشعبي للانخراط في حروب مستقبلية. كما يمكن أن يوفر هذا الإيمان مبررات كافية للقيادة الإسرائيلية لإعادة تخصيص الموارد نحو تعزيز القدرات العسكرية ، على حساب قطاعات حيوية أخرى كالتعليم والصحة. ومع ذلك ، قد يؤدي هذا التوجه إلى تقويض النمو الاقتصادي لإسرائيل على المدى البعيد نتيجة الأولوية الممنوحة للإنفاق الدفاعي على حساب احتياجات المجتمع الأساسية.
ثانياً ، من خلال ضم أراضي جديدة ، سيتيح هذا الممر لإسرائيل فرصة لفرض تهديدات أمنية على سوريا والعراق. فمنذ تأسيسها عام 1948 ، انتهجت إسرائيل استراتيجية عسكرية توسعية تمثلت في ضم الأراضي ونقل ساحات المعارك إلى الأراضي العربية.
وتشهد السوابق التاريخية ، مثل إحتلال غزة والضفة الغربية وسيناء والجولان في عام 1967 ، على نوايا إسرائيل المتمثلة في إضعاف الدول العربية بإجبارها على التركيز على تحرير أراضيها المحتلة بدلاً من شن هجمات ضد إسرائيل.
يعزز إنشاء الممر الجديد هذه الاستراتيجية ، حيث يجعل من سوريا ساحة لأي مواجهات مستقبلية بين القوات الإسرائيلية والسورية. كما أن قربه من العراق يمكن أن يتيح لإسرائيل استهداف الجماعات الشيعية مثل الحشد الشعبي المدعوم من إيران من خلال عمليات عسكرية أو غارات جوية.
ثالثاً ، قد يجلب إنشاء هذا الممر فوائد إقتصادية لإسرائيل إذا تمكنت من تعزيز وجودها في سوريا ، وهو ما قد لا يكون ممكناً ، لأن سوريا من المرجح أن تشارك بشدة في القتال ضد القوات الإسرائيلية المتوغلة في الداخل السوري.
يمكن أن تشمل هذه المكاسب الاقتصادية تصدير البضائع الإسرائيلية إلى شرق سوريا في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ، فضلًا عن استيراد النفط والغاز منها.
ومن المتوقع أن تسعى إسرائيل إلى العمل بصفتها وسيطًا لتصدير النفط والغاز من المناطق التي يسيطر عليها الأكراد إلى أوروبا عبر خط أنابيب جديد يمر في البحر الأبيض المتوسط من إسرائيل عبر قبرص واليونان ، وصولًا إلى أوروبا ، كما قد يواجه هذا المشروع العديد من التحديات الأمنية ، لا سيما من جانب تركيا التي تشهد توترات مع اليونان وقبرص إزاء ترسيم الحدود البحرية ، وترفض أي تصدير للنفط والغاز من المناطق المتنازع عليها في البحر الأبيض المتوسط.
رابعاً ، سيسمح الممر الجديد لإسرائيل بفرض تحديات سياسية وعسكرية على تركيا. ففي نوفمبر 2024 ، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي المعين حديثاً ، جدعون ساعر ، أهمية تعزيز العلاقات مع الأقليات في الشرق الأوسط ، لا سيما الأكراد الذين وصفهم بـ”الحلفاء الطبيعيين” لإسرائيل ، كما تدرك إسرائيل أن تعزيز العلاقات مع الأكراد في سوريا من شأنه أن يفضي إلى مزيد من التدهور في العلاقات مع تركيا التي تعتبر تمكين الأكراد تهديدًا مباشرًا.
ومع ذلك ، قد تجد إسرائيل نفسها مدفوعة أيديولوجياً للمضي قدماً في هذا المشروع بعد تطبيق نهج التكلفة والفائدة الذي يرجح أن فوائد المشروع تفوق مخاطره على المدى الطويل.
وفضلًا على ذلك ، فإن تعزيز العلاقات مع الأقليات مثل الدروز والأكراد يمكن أن يمنح إسرائيل وكلاء إقليميين يعززون مرونتها في مواجهة التحديات العسكرية الخارجية.
العواقب المتوقعة على الأمن الإقليمي :
في حال نجاح إسرائيل في إنشاء الممر المقترح في سوريا ، فإن ذلك قد يترك تداعيات عميقة على المشهد الجيوسياسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
أولاً ، من المرجح أن يؤدي إنشاء هذا الممر إلى إندلاع صراع واسع النطاق بين إسرائيل وسوريا ، حيث قد تشعر العديد من الجماعات المسلحة العاملة في سوريا بدافع ديني ووطني لمواجهة إسرائيل.
ثانياً ، يتيح إنشاء الممر الجديد مزيداً من الدعم الإسرائيلي للجماعات المسلحة الكردية في شرق سوريا ، وهو ما يمهد الطريق لإنشاء دولة كردية ، ومن ثم زيادة احتمالات تقسيم البلاد إلى دولة علوية على الساحل المتوسط تحت النفوذ الروسي ودولة سنية في الشمال تهيمن عليها جماعات المعارضة ، ودولة كردية في شرق سوريا.
وقد أعربت كل من تركيا وإيران مراراً وتكراراً عن التزامهما بوحدة سوريا ، وهما تتقاسمان المصلحة ذاتها في منع الأكراد من قيام دولة كردية ذات سيادة.
ونتيجة لذلك ، فمن المرجح أن تنسق تركيا وإيران جهودهما ضد الممر الجديد ، وإذا تمكنت تركيا من التنسيق مع روسيا فقد تتمكن من شن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد الجماعات المسلحة الكردية في شرق سوريا.
ولن يحدث هذا إلا إذا سحبت الولايات المتحدة قواتها من سوريا وستترافق العملية العسكرية التركية مع حصار عسكري قد يكون محدود الفعالية ، حيث يمكن لكردستان العراق تهريب الأسلحة إلى حلفائها في شرق سوريا.
ولضمان عدم دخول إمدادات جديدة من الأسلحة إلى شرق سوريا ستحتاج تركيا إلى التنسيق مع الحكومة العراقية لنشر قوات على الحدود بين كردستان العراق وشرق سوريا.
ورغم كل هذه الجهود ، ستتاح فرصة للأكراد للحصول على أسلحة من إسرائيل من خلال الممر الجديد ، ومن ثم قد تحدث مواجهة عسكرية بين تركيا وإسرائيل في سوريا ، كما قد تستهدف تركيا طريق الإمدادات العسكرية الإسرائيلية للأكراد.
العوائق أمام إنشاء الممر الجديد :
على الرغم من المزايا الاستراتيجية المحتملة للممر الجديد لإسرائيل قد تواجه عملية إنشائه عدداً من التحديات المعقدة :
أولاً ، نظراً لإمتداد الممر لعدة مئات من الكيلومترات ، فقد تجد إسرائيل نفسها مضطرة إلى إنشاء العديد من القواعد العسكرية أو الثكنات لضمان السيطرة على الطريق وتأمينه ومع ذلك ، فإن نشر القوات دون أنظمة دفاع جوي كافية سيعرضها لهجمات من القوات السورية والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.
من ناحية أخرى ، فإن نشر أسلحة الدفاع الجوي أمر مكلف ولا يضمن توفير حماية كاملة للقوات الإسرائيلية. وبالتالي يتطلب إنشاء هذا الممر من إسرائيل تكثيف عملياتها العسكرية ضد حزب الله في لبنان ، بحيث يتم تقويض قدراته العسكرية إلى حد لا يمكنه من شن أي هجمات ضد القوات الإسرائيلية على الأراضي السورية.
ثانياً ، يتطلب إنشاء الممر دعماً مالياً قوياً حيث قد تتجاوز تكاليفه مئات الملايين من الدولارات. في ظل الوضع الإقتصادي الإسرائيلي الذي يشهد أدنى مستويات له منذ سنوات بسبب الحروب المستمرة في غزة ولبنان ، فقد لا تتمكن إسرائيل من تحمل مثل هذه النفقات والتي لا تقتصر على إنشاء الممر نفسه فحسب ، بل تشمل أيضًا إنشاء قواعد عسكرية ، وإدماج أنظمة مراقبة ودفاع متقدمة ، وضمان حماية الطريق وصيانته بمستوى عالٍ من الأمان.
تُضاف إلى هذه العناصر الحاجة إلى الدعم اللوجستي المحتمل وأمن الحدود ، مما يجعل المشروع أكثر تكلفة من مجرد إنشاء طريق نقل بسيط. لمواجهة هذا التحدي ، قد تسعى إسرائيل إلى الترويج للممر بشكل اقتصادي في محاولة للحصول على دعم مالي من القوى الغربية.
يتضمن ذلك الترويج بيع أفكار تتعلق بضمان خط الدعم للأكراد في حال إنسحاب الولايات المتحدة تمامًا من سوريا وكذلك تقليص النفوذ الإيراني في سوريا ، والحد من تهريب الأسلحة من الأراضي السورية إلى حزب الله.
علاوة على ذلك ، قد تستغل إسرائيل حاجة أوروبا لمصادر جديدة للطاقة لإقناعها بدعم هذا الممر الذي قد يسهم في تصدير النفط والغاز من المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا إلى أوروبا عبر إسرائيل ، مروراً بقبرص واليونان.
ثالثاً ، تشكل الجماعات المسلحة في سوريا تحدياً إضافياً أمام المحاولات الإسرائيلية لإنشاء هذا الممر. على عكس النظام السوري الذي لم يُعلق على عبور إسرائيل الأخير لخط ألفا الذي يفصل هضبة الجولان المحتلة عن سوريا ، قد يُعزز النظام السياسي الجديد في سوريا من قدراته العسكرية في حال قررت إسرائيل المضي قدماً في إنشاء الممر الجديد ، حيث قد يُنظر إلى ذلك كخطوة أولى نحو تقسيم سوريا. قد تحظى الهجمات السورية على القوات الإسرائيلية بدعم من تركيا ، التي ترى في أي محاولة إسرائيلية لتقديم دعم مستمر للجماعات المسلحة الكردية ، مثل قوات سوريا الديمقراطية تهديداً قوميا.
في أكتوبر 2024 ، قال الرئيس التركي أردوغان إن إسرائيل قد تهاجم تركيا بعد غزة ولبنان. وعلى الرغم من أن التصريح لم يكن واضحًا بشكل كامل وشابه الغموض ، إلا أنه من المحتمل أن يكون مرتبطا بالدعم المحتمل الذي قد تقدمه إسرائيل للجماعات الكردية المسلحة العاملة في سوريا.
رابعاً ، قد يشكل الوجود الروسي في سوريا عقبة أخرى أمام إنشاء هذا الممر ، حتى بعد سقوط نظام الأسد.
فقد أعلنت روسيا مراراً دعمها لوحدة الأراضي السورية وأبدت رفضا قاطعا للسماح لتركيا بشن عمليات عسكرية محدودة ضد الأكراد. حتى بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف الصناعات الجوية التركية في أكتوبر 2024 وأسفر عن مقتل خمسة أشخاص ، رفضت روسيا السماح لتركيا باستخدام الطائرات المقاتلة المأهولة لشن غارات جوية ضد المواقع الكردية في سوريا. ومن المتوقع أن تقف روسيا ضد هذا الممر ، حيث يُشكل تهديدًا لنفوذها في سوريا.
ختاماً ، فإن إنشاء ممر جديد يربط هضبة الجولان المحتلة بشرق سوريا قد يغير موازين القوى في الشرق الأوسط ، إذ سيمكن إسرائيل من توسيع نفوذها إلى الحدود العراقية.
وعلى الرغم من أن تنفيذ هذا المشروع قد يواجه عقبات كبيرة بما في ذلك التحديات العسكرية والمالية ، فضلًا عن المقاومة الإقليمية الواسعة ، إلا أنه قد يؤدي إلى تصعيد التوترات وتحفيز مواجهات مباشرة بين الأطراف المختلفة التي لها وجود عسكري في سوريا ، لا سيما تركيا والأكراد.