✍️ يوحنا عزمي
أمريكا ليست مهددة في أمنها القومي كغيرها من القوي الكبري في العالم ، واعني بها أساسا روسيا والصين .. فهي الاقوي عسكريا واقتصاديا وتكنولوجيا ومعلوماتيا وإعلاميا وثقافيا ، وهي اوسعها انتشارا بالقواعد والأحلاف العسكرية ومواثيق الدفاع المشترك ومبيعات السلاح. وهي اكثرها تأثيرا بما تملكه من أدوات الضغط والحصار ومن القدرة علي توقيع عقوبات اقتصادية صارمة لا تملكها ولا تستخدمها القوي الكبري الأخري ..
فما الذي يدفعها لإثارة كل هذه الحروب والصراعات المسلحة في كل قارات العالم ، وأغلبها حروب بالوكالة اي هي من يحرض غيرها عليها ويدفعها إليها ؟.
ولماذا تشعل العالم بالتوترات والنزاعات والأزمات التي تدمر للدول مواردها وتجلب العنف والتطرف والإرهاب والفوضي إليها ، وتفشل العديد منها وتضعها علي حافة السقوط والانهيار ؟.
وما هو هدفها من هذا كله ؟.
وهل يدعم أمن أمريكا القومي ويعزز مصالحها الممتدة عبر قارات العالم التوتر والصراع والفوضي وعدم الإستقرار بكل ما يمكن ان يفضي إليه ذلك من تداعيات ومضاعفات مدمرة ؟.
ام ان طريقها المناسب إلي مصالحها كان يجب ان يكون ابعد عن هذا كله وهي القوة العالمية الكبيرة التي كان يمكن ان تقدم للعالم نموذجا ديموقراطيا راقيا ومتميزا في احترامها للسلام والعدالة الدولية وحكم القانون وحقوق الإنسان ووقتها كانت ستكسب احترام العالم كله لها وتقديره لدورها ومكانتها كقوة سلام لها ثقلها الدولي الكبير ؟. وللاسف ، فإن هذا الطريق الأخير لم يكن طريقها الذي اختارته لنفسها .. وفضلت عليه الطريق الآخر.
ومن هنا نتساءل ألا يتناقض هذا السلوك الذي يعيبه العالم عليها ويرفضه منها كقوة عالمية تقف علي قمة النظام الدولي وتمسك
في يدها بالكثير من مفاتيحه مع الأسس الفكرية التي بنت عليها نظريتها التي اخترعتها عقب انتهاء الحرب الباردة واسمتها نظرية السلم الديموقراطي ، وهي النظرية التي تقول ان الدول ذات النظم الديموقراطية هي الأكثر دفاعا عن السلم الدولي ، بينما ان الدول غير الديموقراطية هي اكثرها عداء وتهديدا للسلام وإثارة للحروب ولأن عدوانيتها تتفق مع طبيعتها كنظم دكتاتورية مفروضة بالقوة علي شعوبها ، ولأن لغة القوة هي اللغة التي لا تعرف ولا تحترم غيرها في علاقاتها الدولية ..
وتشهد فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة انها كانت فترة حافلة بالتدخلات العسكرية الأمريكية في كل مكان في العالم وهي اي امريكا ، من سبق وبشرت بميلاد نظام عالمي جديد قوامه السلام واحترام قيم العدالة الدولية وحكم القانون وحقوق الإنسان ونبذ استخدام القوة في العلاقات الدولية ، وسرعان ما تنكرت لهذه الوعود وأصبحت القوة الرئيسية المحركة لمعظم الحروب والصراعات والأزمات الإقليمية في العديد من مناطق العالم وبما شكل تهديدا خطيرا للسلم والأمن الدوليين وبشكل فاق كل ما عرفه العالم خلال فترة الحرب الباردة القديمة .
وعندما نقارن سياسة أمريكا الخارجية التي اغرقت العالم في تلك الدوامة الرهيبة من الصراعات والحروب والأزمات وجلبت إليه التطرف والعنف والإرهاب والفوضي ، بسياسة الصين الخارجية برزانتها وهدوئها وعقلانيتها وسلمية ادواتها في دفاعها عن مصالحها وفي تواصلها مع غيرها من دول العالم وفي حرصها المستمر علي الابتعاد عن مناطق الصراعات والأزمات لتجنب الانزلاق إليها والتورط فيها وهي الدولة التي يصفونها بالدكتاتورية والاستبداد وعدم احترامها لحقوق الإنسان ، سوف نجد ما يغنينا عن الاسهاب في الرد .. فالواقع يتحدث عن نفسه بما يكفي بعيداً عن المغالطات السياسية والدعايات الأمريكية التي فقدت مصداقيتها وثقة العالم فيها.