✍️ يوحنا عزمي
في كلمته امام إفطار الاسرة المصرية ، طرح الرئيس السيسي المحاور الأربعة التي ستكون أساس العمل في فترة قيادته
الجديدة لمصر والمصريين ، وكان ثالث هذه المحاور يدور حول
بناء الشخصية المصرية بما ينطوي عليه من إهتمام بالتعليم والصحة والثقافة ، والحقيقة ان هذا المحور وان كان جاء في الترتيب بعد محوري ( الإصلاح السياسي ) و ( الإصلاح الاقتصادي ) إلا أنه لا يقل عنهما أهمية ، بل ان ( إعادة بناء الشخصية المصرية ) هو أساس إصلاح السياسة والإقتصاد .
والحقيقة ان تحليل خطاب الرئيس منذ تصديه للقيادة يكشف
عن المام كبير بعوامل النحر التي اعترت الشخصية المصرية
خلال العقود الماضية ، وبالتخريب الكبير الذي احدثته الجماعات المتطرفة في الوجدان والعقل المصريين ، وبالدور التخريبي الذي لعبته الدراما والأعمال الفنية منذ السبعينات بفعل فاعل من حيث تعميم النماذج الفاسدة ، وتصديرها للشباب علي انها القدوة والمثل والحقيقة ان غياب مؤسسات التعليم والتنشئة عن المجتمع المصري وتراجع الإيمان بقيم العمل ، والكفاح ، والأمانة ، والتعامل بشرف هو احد أسباب التراجع الإقتصادي الحاد الذي تشهده مصر منذ نصف قرن او يزيد ، فكما يقول عالم الإجتماع الكبير (ماكس فيبر ) فإن أي نهضة اقتصادية ترتبط بالأخلاق التي يؤمن بها الناس وبالأفكار التي يعتقدون فيها ، وفي طرحه الفذ ( الاخلاق البروتستانية ) يربط فيبر بين الإصلاح الديني في أوربا وبين نهضة الراسمالية
في الغرب ، لأن الإصلاح هناك اقنع الناس ان العمل هو الطريق
لرضا الله وليس الإغراق في الطقوس الدينية ، وان تعمير الدنيا هو غاية الله من خلق الإنسان الذي ليس عليه ان يكتفي بالحياة الآخرة فقط كما يحاول البعض ان يقنع المسلمين ..
يرصد فيبر ايضاً ان الإصلاح الديني في أوربا الذي بدأ مبكراً جداً ركز علي الطابع الأخلاقي للدين ، وليس الطابع الطقوسي له ، فالكذب ، والخداع ، والغش ، والتهاون في العمل كبائر تقود صاحبها إلي النار ، وليس الزنا والسرقة فقط ، يقول فيبر ان البروتستانت الذين هاجروا إلي أمريكا استغرقوا في العمل ليل نهار لانهم اقتنعوا ان العمل هو وسيلة الإنسان للتكفير عن خطيئة ابينا آدم الأولي واقتنعوا ان عليهم خلق الجنة علي الأرض من خلال العمل ، في مصر يبدو الأمر في حاجة للعمل الشاق لإعادة بناء الشخصية المصرية من هذه الزاوية وزوايا اخري ، فاغلب الناس يؤمنون بأن التدين مظهر لا جوهر ، وطقوس تعبدية ، لا روح أخلاقية ، ومفهوم اغلب التجار للتجارة يخلط بينها وبين السرقة واللصوصية ، وينحي قواعد الأخلاق لحساب المكسب السريع وغير المحدد بنسبة من رأس المال ، والعامل لا يربط بين إتقان العمل وبين رضا الله إلا فيما ندر ، وإذا كان يعمل في الحكومة فهو يظن غالباً ان المرتب حق له كمواطن بغض النظر عن اداءه العمل المكلف به ام لا لذلك تظهر عبارة (فوت علينا بكرة ) وتحقق الشركات الصناعية العامة خسائر كبيرة ، وما يضاعف من أزمة الشخصية المصرية هو غياب القدوة إلا فيما ندر ، وتجسيد قطاعات كبيرة من النخبة المصرية لكل القيم السلبية التي يريد الرئيس تغييرها ونتخرط مؤسسات الدولة مؤخراً في تنفيذ هذا التغيير .. انني اظن ان محور ( بناء الشخصية المصرية ) يستدعي مؤتمراً عاماً يدعو له الرئيس المثقفين والعلماء والباحثين ، ليدلي كل بدلوه ، ويساهم كل بقدر ما يستطيع حتي يكون الناس شهداء علي انفسهم ، ويشخصون مشاكلهم بأنفسهم بعدها نبحث عن الحلول وطرق العلاج .