آية عبده
لطالما تمنيتُ كثيرًا أن أشد رحالي لتلك المدينة التي يحكي عنها الجميع، أحببتها من القصص التي سمعتها عنها، فقد تجوّلتُ في شوارعها، وزُرتُ الكثير من الأماكن، كما احتضنتني سماءها فقط في مخيّلتي.
بعد طول انتظار تحققت أمنيتي أخيرًا، لكن ليس كما كنت أريد، جئتها مُرغمة عني، هروبًا من الحرب التي قضت على الأخضر واليابس في العاصمة المثلثة، أيقنتُ حينها أن عليّ ختام أمنياتي بدعائي أن تتحقق، لكن بلُطف ويكتب الله لي الخير فيها.
بعد مرور شهرين وجدتها لا تختلف كثيرًا عن الحكايات التي سمعتها، فأصبح بيني وبين بحرها الأحمر الكثير من الذكريات، ولكل شارع موقف، وأخجلتني المعاملة اللطيفة من أهلها وكرمهم وحفاوتهم، لطالما غمروني بالدعوات والحب.
رغم كل هذا علمتُ المعنى الحقيقي لذلك الاقتباس: “الغُربة هنا، هنا في القلب”.
ما زلتُ في بلدي، لكني أشعر بالغربة، شيء ما يجعل سعادتي غير مكتملة، لولا لقاءات الرفاق، لجُننتُ من فرط الحنين.
لفتني شيء غريب في مدينة بورتسودان، أينما ذهبتُ كنتُ أجد سربًا من الغربان، قُرب البحر، أعلى المنازل، في السوق، تتجول في كل أنحاءها بلا استثناء، كأنها مدينتها وتشاركها معها البشر.
أخذني الفضول فسألتُ إحدى سيدات تلك المدينة، وسافرنا بالزمن إلى حقبة قديمة، حيث قيل:
أن رجلًا من بلاد العجم جاء إلى بورتسودان برفقة غُرابَين اثنين، ومنذ ذلك الحين اتخذت المكان ملاذًا ووطنًا لها.