هاجر متولي
على ضفاف الحاجة، نستأنس مودة الكثير، ونعطي ما أُخذ منا عنوة في تلك الحياة، لنداوي به جروحًا لم تلتئم مع الأيام، فنظل مسكنًا لآلام الكثيرين، حتى وإن تبدلت طبائعهم، وابتعدوا بعد أن كنا لهم للنجاة، وتغيروا وغاب سؤالهم، وقست قلوبهم؛ ولكننا نعلم أن عطائنا لهم ما هو إلا إرضاء لنفوسنا، وإثبات أننا مازلنا بخير، ولا تُغيرنا الأيام.
لطالما بحثنا عن أبواب السعادة والأمان في كل مكان، وكان الطريق للسعادة طويل، والمحطات للوصول لها لا تنتهي، والترحال من بلد لأخرى وشخص لأخر للبحث عنها لا تتوقف، ولكنها وحدها هي النجاة… فتجد ذاتك متعلقًا بمكان لم يعُد يربطك به شيء سوى أنه مجرد ذكرى لإناس تحبهم، ووحدها الذكرى ما تبقت في داخلنا، لتزيل مرارة الحياة.
لا أجزم أن قلبي يعرف التحمل، ولكني أعرف كيف مر بمحطات لم يشهدها إلا الله، وتعي نبضات قلبي ما سُلب منها مع الأيام، وتأن روحي لذكريات شهد لها التاريخ كيف خرجتُ منها معافاة؟
وعلمتني الحياة كيف أفتح ذراعي للعالم في كل مرة يخيبُ آمالي، وكيف ألاقي أحبتي بوجه طلق، رغم كل ما في نفسي من أنين، وأن يكون قلبي شجاع، ولين، ودافئ، ليزيل ما بالحياة من ألم وجرح، ليزهو الجمال.
فلم يكن هناك شيء قادر على حمايتنا منها سوى المحبة واللين، ولم يتبقى في حوزتي إلا أشياء قليلة جدًا، ولكنها صادقة ونقية.
الشيء الحقيقي للتقبل والتعايش مع الحياة، ليس في مواجهتها بقوة وثورة، أوالتأقلم والتقبل لمفاسدها، بل الرضا… في الرضا النجاة.
فقد عشتُ فترات طويلة مع مفهوم الرضا، أظنه الشعور الذي اختبرتُ به في أغلب مراحل حياتي، وكنتُ طوال الوقت أحاول التعرُّف عليه، ومصادقته، وتطبيع قلبي عليه، والصِّدق فيه.
اليوم أقول بملء فمي أني بتُّ أدرك مفهوم الرِّضا جيدًا، وذلك بعد صراعٍ طويل مع التساؤلات معدومة الإجابات التي طحنت عقلي، ومشاعر الغضب التي لطالما عذَّبت قلبي.
اليوم أعيش لحظات يُنعتونها *بالتسليم التام لله* لكل أمرِه ومشيئته، والذي لا يشوبه أي فكرة، أو شعور يُعارض فكرة أن الذي قُضِيَ ما هو إلا خير … خير فقط، مهما بدا ذلك مُعقدًا أو غير منطقيّ.