مقالات

هل ستحارب إيران إسرائيل

✍️ يوحنا عزمي 

كانت الأيام او بالأحري الساعات القليلة الماضية فرصة حقيقية قلما تتكرر للإسرائيليين وحلفائهم الأمريكيين لاختبار مدي قدرة وجاهزية إيران وحزب الله ومعهم اذرعهم في اليمن والعراق وسوريا علي الرد الجماعي المنسق علي عملية اغتيال اسماعيل هنية علي يد الموساد الإسرائيلي في طهران ، والقيادي اللبناني فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية من العاصمة اللبنانية بيروت.

وفي رأيي كمحلل لهذا المشهد الذي بدأ للعالم في لحظاته الأولي وكأنه ينذر حتما بكارثة مؤكدة ، وان الرد الإيراني عليه جاهز ولن يتاخر، أنه مهما كانت قوة اجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية او من قدرات احترافية هائلة لهذه الأجهزة علي الاختراق بكل وسائل التجسس والرصد والاستطلاع ، لجمع وتحليل المعلومات بأدق تفاصيلها عن كل ما يجري في كل تلك الجبهات ، فإن هذه القدرات كانت تتراجع أمام وضع إيران وحزب الله ، وكيلها الأول في المنطقة ، أمام خيار الرد او عدم الرد ، وجاء عدم الرد ضمن الأطر الزمنية التي توقعوها بل وحددوها له ، ليوفر لهم الإجابة المطلوبة علي تساؤلاتهم التي بقيت طيلة الأيام الماضية معلقة بلا حسم ، وهي الإجابة التي سوف يسترشدون بها في تقديرهم للموقف خلال الفترة المقبلة وفق ما يعتزمون تنفيذه من خطط او توجيهه من ضربات ، الخ.

وفي كل ما يجري الآن ، وتأسيسا علي كل الشواهد المتاحة ومن واقع خبرتي ومعرفتي بالعقل الإستراتيجي الإيراني وبرهاناتهم السياسية وبطريقة حسابهم للمواقف التي يكونوا أطرافا فيها وباسلوبهم المراوغ والمعقد في اتخاذهم لقراراتهم بهدف شراء الوقت في رهان علي متغيرات الظروف التي قد تميل إلي جانبهم اكثر منه إلي جانب خصومهم .. 

هنا يمكنني ان اقول ان إيران لا تريد الحرب ، ولا تنوي الدخول في حرب ، لا مع أمريكا ولا مع إسرائيل ولا مع غيرهما ، إلا إذا ارغمت ارغاما عليها. لانها تعرف جيدا ما سوف يلحق بها من دمار رهيب بسببها ، وتجربة حربها مع العراق لا تغيب عنها وقد تعلمت منها الكثير ، بل والكثير جدا مما قد لا نعرفه علي حقيقته.

واقول ايضا ان تهديدها المستمر لإسرائيل هو من قبيل الردع والدفاع لا اكثر .. وتهديداتها بإبادة إسرائيل لا تعكس اي نوايا هجومية حقيقية ، واكاد اجزم بذلك .. وهذا ليس عيبا في حد ذاته ، فالقيادة الإيرانية تحاول الحفاظ علي أمن شعبها وسلامة أراضيها وتتجنب التورط رغما عنها في حروب تعرف كم سيكون حجم الثمن المدفوع فيها.

وإذا كان هذا عن إيران وعن مدي استعدادها للحرب ،  فإن ما تنويه او تعتزمه إسرائيل وتخطط له ، لكل الأسباب والدوافع والأهداف التي اشرت إليها تفصيلا امس في احدي رسائلي ، فيبقي قائما ومستمرا ولن يتوقف بعدم رد إيران علي اغتيال هنية في أراضيها      بل ان امتناع إيران عن الرد سوف يشجع إسرائيل اكثر علي تنفيذ سيناريو الحرب الذي اكتمل اعداده بالتنسيق والتشاور مع حليفها الأمريكي ، او حليفها الإستراتيجي الأول في العالم.

وهو ما سوف يخرجها من دائرة القلق والتخمين المستمر حول ما يضمره الإيرانيون ووكلاؤهم لها من نوايا لا تعرف طبيعتها او مداها .. كما انها لا يمكن ان تبقي علي جيشها في حالة من التعبئة الكاملة والمستمرة استعدادا للرد علي هجوم إيراني قد يقع او لا يقع ، بكل ما يعنيه هذا الوضع الاستثنائي وغير الطبيعي من تكاليف مادية ومعنوية ونفسية باهظة في مجتمع كاسرائيل بقوته البشرية المحدودة نسبيا.

ويبقي التنفيذ رهنا بما تتيحه متغيرات الظروف .. وهو  ما لا اتصور أنه سوف يتاخر كثيرا او يغيب .. فعقدة إسرائيل الكبيرة التي تنام وتصحو عليها هي الأمن وفق المعايير والمفاهيم التي تعتنقها لنفسها ولا تحاول تغييرها او التمرد عليها .. والتي ليس من بينها الأمن الذي يضمنه السلام او تدعمه علاقات حسن الجوار ، وإنما الأمن الذي يتحقق بالقوة ولا شيئ غير القوة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!