✍️ يوحنا عزمي
يظل اقتناعي هو أنه لا توجد إدارة حروب او صراعات او أزمات دولية مهما كانت ساخنة ومعقدة ، بدون بدائل وخيارات يمكنها ان تفضي في النهاية إلي حلول وتسويات.
وهذه البدائل والخيارات قد تكون ذات طبيعة إستراتيجية بالأساس وهذه لها حساباتها الخاصة بها وكذلك تكاليفها ومتطلباتها وأدواتها كما قد تكون خيارات تكتيكية ومرحلية ومؤقتة ، وهي اكثر تواضعا في تكاليفها واهدافها .. وفي كل الأحوال هناك خيارات وبدائل وحلول ، والمهم هو ان يعرف كل طرف طريقه إلي ما يريده لنفسه.
وفي الإدارة الناجحة للأزمات لا يوجد طرف رابح علي طول الخط ولا طرف خاسر علي طول الخط ، وانما يوجد دائما مزيج من الأرباح والخسائر معا .. وان تفاوتت في حجمها بحسب القدرات النسبية المتاحة لكل طرف.
وفي إدارة الحروب والصراعات والأزمات الدولية الساخنة ، غالبا ما يكون للسلاح دور ، وللدبلوماسية دور ، كما ان للقيادات السياسية التي تديرها دور مهم لأنها بحكم موقعها هي التي تمزج هذا كله ببعضه ، وهي التي بيدها القرارات النهائية .. وتكامل هذه الأدوار مع بعضها هو ما يحدد في النهاية حجم النواتج والمخرجات التي تفرزها الأنماط المختلفة لإدارة الصراعات والأزمات ومعيار النجاح او الفشل هنا هو حجم ما يحصل عليه كل طرف من عوائد وأرباح ، او ما يضطر إلي دفعه من أثمان او تقديمه من تنازلات.
أريد ان اقول هنا أنه لا يكفي الضغط بالسلاح وحده ، ولا بالإعتماد علي الدبلوماسية وحدها ، ولا بالثقة في القيادة السياسية وحدها إذا لم تكن تعرف كيف تستخدم أدواتها في تعزيز قدرتها علي التفاوض والمساومة وانتزاع التنازلات من الخصم ، فهي منظومة متكاملة من العناصر والأدوار والقدرات ..
والعبرة هي بمدي مهارة القيادة او القيادات السياسية المنوط بها إدارة تلك الأزمات والصراعات في توظيفها بحنكة واقتدار وبما يلائم طبيعة الموقف القائم ويقدر علي نزع فتيل الخطر منه والدفع به علي طريق التسوية والحل من خلال التنازلات المتبادلة التي تتم بين اطرافها ايا كان حجم تلك التنازلات او توقيتها او الصورة التي تقدم بها وبصرف النظر عن من يكون منهم الرابح او الخاسر فيها اكثر من غيره ..فهذه كلها حقائق مستقرة في استراتيجيات إدارة الصراعات والأزمات الدولية ، ولا خلاف عليها.
وما نحن فيه الآن من ورطة الحرب في غزة يكفي لتصوير ما اريد ان اقوله هنا .. فالادارة العربية لأزمة هذه الحرب منذ بدايتها كانت من اسوأ ما يكون وما تزال علي حالها من العجز والفشل .. ولو انها كانت قد اديرت بشكل مختلف في مراحلها الأولي ، ولست بحاجة إلي الدخول في تفاصيل لا لزوم لها ولا معني لها الآن ، لربما كان بالإمكان تطويقها واحتوائها والتخفيف كثيرا من تداعياتها ..
لكن التلكؤ والتباطؤ وغياب التنسيق العربي المشترك وترك حماس تنفرد وحدها بالقرار في إدارة هذه الحرب الشاملة في مواجهة إسرائيل في ظل الاختلال الشديد في موازين القوة بينهما ، هو الذي افقد كل تلك العناصر فاعليتها وجدواها ، وجعل الطرف العربي يبدو أمام العالم وكأنه بلا اي أوراق ضغط يستطيع استخدامها في مواجهة إسرائيل لردعها والحد من اندفاعها ..
وكانت النتيجة هي دمار شامل وإبادة جماعية وخسائر بلا حدود .. والوصول بالموقف كله إلي نهاية طريق مسدود.