مقالات

لن تحدث حرب إقليمية واسعة في الشرق الأوسط  وانما ستكون عدة حروب صغيرة ومحدودة ومتفرقة

✍️ يوحنا عزمي 

التخوف الذي يملأ العالم الآن هو من ان دخول إسرائيل   في حرب شاملة ضد حزب الله في جنوب لبنان ، قد يكون الشرارة التي سوف تطلق حربا إقليمية واسعة تتجاوز لبنان وغزة وإسرائيل لتصبح في النهاية هي حرب الكل ضد الكل ، وذلك عندما يدخل علي خطها العديد من الدول والحكومات والميليشيات الطائفية المسلحة التي تم تسليحها وتدريبها واعدادها لهذه الأدوار القتالية داخل وخارج دولها.

كان يمكن لتلك المخاوف والتوقعات ان تجد طريقها   فعلا إلي أرض الواقع ، لكن الشواهد الراهنة لا تدعم   تلك المخاوف ، وانما تكاد تنسفها من أساسها .

فإيران وهي الحليف الإستراتيجي الأكبر لحزب الله تنأي بنفسها عن الدخول في حرب إلي جانب حزب الله ضد اسرائيل. والتصريحات التي تصدر تباعا علي لسان رئيسها مسعود بزشكيان في نيويورك اثناء حضوره الإجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة ، تؤكد ذلك بما      لا يدع مجالا لأي خطأ في تفسير نوايا إيران مما يحدث حاليا  في لبنان ، وكذلك ما يتم نقله عن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي من خلال الدوائر المحيطة به او المقربة منه ، فهي كلها توكد علي نفس المعني وتصب في نفس الإتجاه .

فهي حرب تحرص إيران علي ألا يتم استدراجها إليها    في مثل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة وانها حرب   لا تريدها عن اقتناع منها بعدم ضرورتها او جدواها وانها إذا دخلتها فسوف تكون اكثر الخاسرين فيها ، وانها لهذا كله ، سوف تكون حرب حزب الله وحده من بدايتها إلي نهايتها.

واما الدول العربية والخليجية ، فأنها جميعا وبلا استثناء ترفض التورط في مثل هذه الحرب ضد إسرائيل لمخاطرها الأمنية الهائلة بالنسبة لها فضلا عن ما سوف يكون لتورطهم فيها من مردود سلبي ان لم يكن مدمر ، علي علاقات العديد منهم مع أمريكا ، وهي التي تعتمد تلك الدول عليها في توفير الحماية الأمنية المستمرة لها.

فضلا عن أنه لا يمكن تصور ان تسمح أمريكا لهذه الدول العربية والخليجية منها بشكل خاص ، ولاي سبب او تحت اي ظرف بالدخول في حرب ضد إسرائيل ، وما حدث في غزة سوف يتكرر في لبنان.

واما فيما يتعلق بتركيا ، فأنها لن تنزلق إلي حرب ضد إسرائيل حول غزة او لبنان ، حرب لن تكون لها مصلحة فيها ولأن إسرائيل لا تشكل خطرا حقيقيا علي أمنها ، وليس بينهما من النزاعات ما يمكن ان يرفع هذا الاحتمال وهي في كل الأحوال قادرة علي ردعه ومواجهته بقوتها الذاتية وكذلك بالاستناد إلي دعم الناتو العسكري لها وهي عضو مهم فيه ، وهي لهذا تكتفي بدعمها اللفظي للفلسطينيين واللبنانيين في محنتهم ، وبالتنديد والشجب اللفظي ايضا للاسرائيليين لانتهاكاتهم الوحشية وممارساتهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، لتبدو  أمام الجميع وكأنها تقوم بالدور المطلوب منها في مثل هذا الظرف السياسي الدقيق والصعب بشكل متوازن ،  فلا هي اغضبت العرب بتجاهلها لمشاعرهم وانما جاملتهم وتعاطفت معهم ، ولا هي استفزت الإسرائيليين بالدرجة التي يمكن ان تثير أزمة في علاقاتها معهم والاسرائيليون يتفهمون ذلك ويقبلونه منها ولا يبالغون في اظهار رد فعلهم منه.

فهي تحاول ان تمسك بالعصا من المنتصف كما يقولون ، وهي تكسب سياسيا دون ان تتكلف شيئا في المقابل علي الإطلاق وهذه هي دبلوماسية أردوغان دبلوماسية الحلول الوسط وعدم التورط في حروب ليس لتركيا مصلحة فيها

واما روسيا والصين ، فإنهما لن تتدخلا في كل ما يجري من أحداث في الشرق الأوسط هذه الأيام بأي شكل من الأشكال .. وتكتفيان بإطلاق التصريحات الرسمية الروتينية المعادة والمتكررة والتي لا تقدم ولا تؤخر.     ولا يعول عليها عند إتخاذ اي قرار هنا او هناك.

ولهذه الأسباب مجتمعة ، فلن تحدث حرب إقليمية  واسعة في الشرق الأوسط ، وانما ستكون عدة حروب صغيرة ومحدودة ومتفرقة تخوضها إسرائيل علي تلك الجبهات المنفردة والمعزولة عن بعضها الواحدة تلو الأخري ، وهي حريصة علي عدم تركها تتجمع ضدها في محور قتالي واحد او في جبهة عسكرية مشتركة وهذه هي طريقتها في إدارتها لحروبها في المنطقة .. فهي لم تذهب إلي لبنان إلا بعد ان اوشكت علي الانتهاء من حربها في غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!