✍️ يوحنا عزمي
تركيا أردوغان هي حاليا اللأعب الإقليمي الأقوي تأثيرا والأوسع نفوذا في الشرق الأوسط. وقد حققت سياساتها في الفترة الأخيرة طفرة قياسية غير مسبوقة اتضحت بشكل خاص خلال الأزمة السورية الأخيرة التي كان دورها فيها هو ابرز الأدوار الإقليمية والدولية علي الإطلاق ، بعدما أصبحت هي محور كافة الإتصالات والمشاورات السياسية التي جرت بشأن تلك الأزمة داخل المنطقة وخارجها.
ويقابل ذلك علي الجانب الآخر ، تراجع الدور الإيراني وانكماشه بالشكل الحاد الذي أصبح هذا الدور أخيراً عليه وبخاصة بعد النكسات الكبيرة التي تعرضت لها إيران في غزة ولبنان وسوريا. حيث خسرت الكثير من عناصر قوتها ونفوذها وتأثيرها وبسرعة فاقت كل التوقعات.
والفرق بين الدورين التركي والإيراني ، هو الفرق بين سياسة خارجية يقودها رجل دولة داهية ، ومناور سياسي بارع ودبلوماسي محنك يجيد اللعب علي كل الحبال بقدرة فذة يحسد عليها ، وهو يعرف كيف يمد جسور اتصاله مع خصومه السياسيين في الوقت المناسب لتحييدهم .. ولا يجد في ذلك ما يربكه او يحرجه. وهذا هو الرئيس التركي رجب أردوغان.
وأما سياسة إيران الخارجية ، فإن الذي يقودها ويستحوذ عليها استحواذا يكاد يكون مطلقا ولعدة عقود متصلة ، هو المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد خامنئي .. وهو زعيم ديني وسلطة روحية بالأساس ، وله منظوره المذهبي المعروف ، والذي كان الأساس الذي انبثقت منه شبكة تحالفاته وعلاقاته بقوي طائفية معينة في العديد من دول المنطقة العربية وراهن عليها واستثمر فيها الكثير مما قد يتعذر معرفته علي حقيقته والذي قد يتجاوز مئات المليارات من الدولارات رغم العقوبات الإقتصادية الدولية الصارمة المفروضة علي إيران ، متصورا ان هذه القوي الطائفية والمذهبية مع مليشياتها المسلحة سوف تكون قواعده المتقدمة التي سوف تخوض معارك إيران مع خصومها علي الساحة الدولية بالنيابة عنها وكان حزب الله اللبناني هو أبرز هذه القوي جميعا.
لكن كل تلك الرهانات الإيرانية خابت وفشلت ولتجد إيران نفسها حاليا في موقف بالغ الصعوبة والحرج وفي مواجهة أخطار تطبق عليها من كل اتجاه.
وقد يكون القادم اسوأ بكثير خاصة إذا ما نفذت أمريكا وإسرائيل تهديدهما لها بضرب مفاعلاتها النووية .. وهو ما سوف يكون كارثة لها بكل المعايير ، ووقتها سوف نكون أمام سيناريو إيراني مختلف تماما عن هذا الذي هي فيه الآن .. ولأنها سوف تدخل معه في نفق مظلم طويل لن تعرف كيف تخرج منه بسلام.
السياسات الخارجية للدول لا ينفرد بصناعتها رجال دين بنظرتهم الضيقة للعالم الواسع من حولهم ، او بآفاقهم السياسية المحدودة مهما تظاهروا بغير ذلك ، وانما يصنعها رجال دولة محنكون وسياسيون محترفون يعرفون مختلف دروبها وأدق تفاصيلها والأهم من ذلك كيفية مواءمتها مع متغيرات الواقع والظروف ومع الحقائق السياسية الماثلة علي الأرض بالدرجة القصوي الممكنة من المرونة والواقعية .. وهو ما يجد تجسيدا حيا له في أنقرة وغيابا تاما له في طهران .. ولسنا بحاجة لأن نقول إنه لكي تتغير النتائج فأنه لابد أولا وان تتغير المقدمات ، وهذا هو ما يجب علي إيران ان تفعله الآن وبلا أدني تردد.