✍️ يوحنا عزمي
مع بداية السبعينات ، وتحول ” الأمركة إلى العولمة ” مع كتالوج كامل للأفكار من أجل صناعة إنسان العولمة غير المنتمي لأى شيء بدأت بعض القراءات تذهب إلى أننا أصبحنا أمام دين او عقيدة جديدة هي دين العولمة.
وفى هذا السياق فأن الغرب ، ورغم أنه يقدم عولمة نيوليبرالية رأسمالية ، إلا أنه استعان بالأيدولوجيات اليسارية في تمكين العولمة ، فالغرب لم يكن على خلاف أيديولوجي مع الماركسية ولكن على خلاف سياسي مع الإتحاد السوفيتي على وجه التحديد وفكرة تصدير الثورة البلشفية إلى العالم.
أواخر الستينات ، كانت المخابرات الأمريكية قد أدمنت أفكار الأب الروحي لليسار الليبرالي هربرت ماركوزه وأصبحت أفكاره هي رأس حربة الحرب الثقافية في هذا الزمان، وهو منظر يساري ألماني هرب من بلاده واستقر في الولايات المتحدة الأمريكية ويعود له الفضل في اطلاق الثورة الجنسية العالمية أواخر الستينات ووصلت للذروة في السبعينات قبل ان يخبأ بريقها أوائل الثمانينات.
هو المؤسس الثاني للصوابية السياسية ، ومنظر نسختها الحالية التي تجتاح العالم عبر المنصات الرقمية الغربية.
وإذا كان الغرب يري فائدة إقتصادية وايدولوجية من صناعة إنسان العولمة ، اللامنتمي إلى دين او جنس او جندر او أخلاق او قيم او وطن او جيش او أي مؤسسة ، منتمي لنفسه فقط ، لا يشتهى أي شيء فطري بل كل ما هو خارج عن الفطرة .
فأن العدو الأول لدين العولمة هنا هو القوة الروحانية للاديان هي الدين .. كل الأديان وليس دين بعينه ، فالحرب على الكنيسة بدأت قبل الحرب على الجامع ، وجذور تلك الحرب هي نفسها جذور الدين المسيحي ذاته.
يجب ان يموت الإله في نفوس الناس ، ان يسقط الإله صريعاً من السماء أمام أعين الناس كما قال زيوس في الجزء الرابع من سلسلة أفلام ثور Thor: Love and Thunder الذى بدأ عرضه في يوليو 2022.
مصرع الإله .. موت الإله .. هو شيء معنوي وليس مادي بالطبع فالغرض هو موت الله من نفوس الناس ، فكل خطيئة تحدث هي تجرؤ على الله ، كل الموبقات ما هي إلا محاولة من الإنسان لقتل الله في نفسه وداخل روحه ، إبادة الروحانيات داخل النفس.
فمن يقتل لا يتجرأ على إنسان ومن يسرق لا يتجرأ على القانون بل هي جرأة على تعاليم الإله قبل كل شيء.
وإذا كانت أيديولوجيا الإلحاد جاهزة ، والدين الإبراهيمي كمرحلة انتقالية للإلحاد او مسكن للمتدينين قبل الانتقال لمرحلة اللادين جاهزة ، فأنه يجب ان يتم قتل الإله في النفوس ، فإذا رحل الإله وغادر عقل وروح الانسان ، تحول العالم إلى تلك الغابة التي تريدها شبكات المصالح الغربية ، وتم تسهيل نشر التلوث الأخلاقي، وثقافة الاكتئاب والسوقية والانحطاط والبذائة ، تلك الثقافات التي تدير على الغرب ثروات هائلة ، بينما الأخلاق والقيم والدين وقيم الأسرة لم تكن مربحة قط للغرب ، الله كفكرة لم يكن مربح قط للغرب وعصاباته.
قبل عرض فيلم ثور كنت أتساءل لماذا ثور تحديداً الذى حظى بجزء رابع من بين كافة أبطال النسخة الأولي من فرقة افنجرز ؟
الإجابة لأنه الإله الوحيد من بين هؤلاء الأبطال ، والآن حان وقت قتل فكرة الإله والتمهيد لأن الآلهه كانوا دائماً لا يكترثون للإنسان.
يظهر ثور في هذا الجزء باعتباره شاب اهوج غير متزن ، رغم أنه ظهر في الأجزاء الثلاثة الأولى إضافة إلى أربعة أجزاء من سلسلة افنجرز باعتباره رجل عتيد صارم باعتباره ملك ابن ملك ، مع إستمرار الترويج لفكرة ان انثي البطل هي الأكثر كفاءة من البطل الذكر واكثر صرامة وجدية من الذكور السذج ، مع وجود شخصية مثلية أصبحت ملكة اسكارد (هكذا يكتب اسم المصطلح المنتمي للاديان الجرمانية القديمة) وزوج من الرجال متزوجين ، هكذا يكتمل سيرك الصوابية السياسية.
ثور جزء من الميثولوجيا الجرمانية ، ولكن في الفيلم يتم استدعاء الميثولوجيا الهندية واليونانية ايضاً ، في سيرك ساخر من فكرة الإله ، ففي بادئ الأمر لن يتم السخرية من الإله القدير ولكن يمكن البدء بآلهة اليونان والهند وألمانيا.
اخرجوا زيوس يرتدي تنورة نسوية ويؤدى حركات بلهاء طيلة الوقت ، اخرجوا الآلهة يسخرون بأنفسهم من فكرة الثواب والعقاب بل يغدرون باتباعهم ويتعاملون بجبن شديد مع الاخطار ، والنقطة الأهم .. لا يوجد أبدية بل ويسخرون من فكرة الأبدية ، أي الحياة الأخرى التي نصت كافة الأديان أنها موجودة وان موقع الإنسان بها يتحدد على وقع أفعاله في الحياة الأولى.
تحمل الأديان او الميثولوجيا اليونانية على وجه التحديد دور مركزي في الثقافة الغربية ، بل وربما لا يجرؤ البعض ان يتلفظ حقيقة ان الكثير من الفلسفة الدينية اليونانية قد توطنت عالم الفلسفة الدينية المسيحية الغربية ، وبالتالي فما تراه انت كمواطن شرقي على الشاشة باعتباره هزلاً ، هو له مدلول نفسي وفكري بالنسبة للمواطن الغربي ربما لا يشعر به بشكل مباشر ولكنه نوع
من البرمجة الفكرية والنفسية.
أفلام مارفيل من إنتاج ديزني ، واجندة ديزني أصبحت معروفة للجميع فقد اعترفوا على انفسهم علناً ، ففي زمن ما بعد المؤامرة أصبحت المؤامرة علنية وأصبحت سياسات عامة معلنة.
وفى نهاية الفيلم يتم التمهيد للحرب المقبلة بين الآلهه الجرمان والآلهه اليونانيين ، حيث يأمر زيوس الإله هرقليز بتتبع ثور من أجل قتله.
كوكتيل نسوية وصوابية وإلحاد وحرب إلغاء الإله ، تتكامل مع اجندة ديزني ، للترويج لفكرة الإنسان المحايد اللامنتمي لأى شيء وليكن انتمائه لكل ما هو فطري او طبيعي كمرحلة انتقالية قبل إلغاء الانتماء.
الميثولوجيا المصرية او الآلهه المصريين حاضرون في هذه اللعبة قريباً، وتحديداً في مسلسل مون نايت، ففي القصة الأصلية يدعون ان هنالك إله مصري سوف يتحول إلى شرير ويقوم مون نايت بمحاربته.
الخطوة المقبلة سواء تم التخطيط لها او سوف ينتبهون لها لاحقاً هو نفس ما تنبه له الرومان سابقاً ، ان القوة الروحانية للحضارة المصرية والمصريين المنتمون لحضارتهم واصولهم قوية للغاية وغامضة وعصية على فهم الغرب ، اشتكي رجال الدين الرومان من القوة الروحانية للمصريين المتدينين ، ووجدوا ان الحل هو محاربة تدين المصريين في ذلك الزمان.
مصر هي أرض الإله .. وحتى يموت الإله ..
يجب ان يموت في نفوس المصريين على وجه التحديد
ففي أرض الإله يجب ان يموت الإله ، يجب هنا في قلب مصر ان يتم دفن الإله.
وهذا هو التحدي الروحاني الذى تخوضه مصر منذ آلاف السنين. ما بين تشويه الأديان عبر إسلام سياسي وتطرف وسوقية وما بين تيار مضاد يدعي العلمانية والتنوير ، وبين هذا وذاك يجب ان يتم قتل الله في نفوس المصريين ، ويجب تشجيع أي تطاول على الله في أفعال المصريين ، من قتل وسرقة وجنس وفحش القول والبذائة والبلطجة.
فالحرب على الإله بدأت في مصر منذ عشرات السنين ..
وما يحدث اليوم في الغرب كانت بدايته في مصر ، منذ عصر الرومان ، حينما أدركوا ان إله المصريين أقوي الآلهه .. لأنه إله حقيقي ، الله القدير .. ويجب ان يموت.
ومن هنا بدأت اللعبة .. منذ عام 340 ميلادياً على وجه التحديد وحتى اليوم .. يجب ان يموت الإله في نفوس المصريين قبل اى شعب او أمة أخرى.
هذا هو هدف النسخة الجديدة من المؤامرة ، المسماة بالعولمة النيوليبرالية الرأسمالية ، او شبكات المصالح الغربية او أهل النفوذ او أي مسمى .. ان يموت الإله في نفس الإنسان ، ويتم استبدال الإله بالعولمة، وقداسة الدين بقداسة النيوليبرالية، والكتب السماوية بقواميس الصوابية.