✍️ يوحنا عزمي
لا احسب إني أبالغ عندما أقول ان الموقف الراهن في غزة يكاد يكون في اسوأ حالاته ، حتي وان كان إطلاق النار قد توقف مؤقتا ، منذ إندلاع عملية طوفان الأقصي في السابع من اكتوبر ٢٠٢٣ ، وهذه هي الحقيقة المفجعة بلا رتوش او تزويق حتي نعرف اي المعطيات في هذا الواقع الفلسطيني المأساوي الصعب ينبغي التركيز عليها او التعامل معها من أجل الخروج بالشعب الفلسطيني من هذا النفق المظلم الذي لا تبدو له نهاية.
بداية ، دعونا من إسرائيل ومشاكلها الداخلية التي لا تنتهي ، والتي سوف يخفف منها تسلمها لرهائنها المحتجزين لدي حماس ، وهو الأمر الذي سوف يخفف من حدة الاحتقان السياسي في المجتمع الإسرائيلي ، وبالتالي من حدة الضغوط علي حكومة نتنياهو وعلي مجموعة المتطرفين المتحالفين معه في ائتلافه الحاكم ، ويتيح لهم درجة اكبر من الانطلاق في إدارة حربهم علي غزة والضفة الغربية في المرحلة المقبلة من هذه الحرب ، وهو ما اتوقع له ان يكون بدرجة اكبر واوسع نطاقا من إستخدام القوة المفرطة والإبادة الجماعية والتدمير الشامل والتطهير العرقي والاجهاز علي ما بقي من شرايين حياة ما زالت تنبض في غزة.
الوضع الفلسطيني كله بائس ومأساوي ، ومن مؤشراته الواضحة التصدع الذي بدأ يدب في صفوف الكوادر القيادية العليا لحركة حماس، وهو التصدع الذي قد يتطور ويصل قريبا إلي مرحلة الانشقاق ما بين جناح موسي ابو مرزوق الذي دخل الآن في عملية مراجعة وإعادة تقييم للنتائج بل ولعقلانية قرار تفجير طوفان الاقصي ، والأجنحة القيادية الأخري مع قواعدها داخل الحركة ، والتي ما زالت تدافع عن هذا القرار ولا تجرؤ علي مهاجمته او انتقاده علنا تخوفا من عواقب ذلك علي استمرارها في مواقعها القيادية ، وكذلك من واقع اقتناعها بأن ما حدث قد حدث وانتهي ولم يعد يجدي فيه محاولة استنساخ واقع قد تغير ولم تعد له صلة بالحقائق الراهنة الماثلة علي الأرض .. وهذا هو جوهر الخلاف بين هذين الجناحين القياديين داخل حماس وفق ما يتناوله الإعلام.
واما الموقف في رام الله فهو ينطق بعجز وفشل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمد عباس وجماعته في إدارة أزمة هذه الحرب ، ويتعاملون معها وعلي أنها غزمة فرضتها حماس عليهم دون استشارتهم مسبقا بشأن قراراتها التي فجرتها واحدثت للفلسطينيين كارثة لم يسبق لها مثيل في تاريخهم .. وادخلتهم في نفق مظلم اصبح من المتعذر تماما اخراجهم منه بعد ان سدت إسرائيل كل أبواب التفاوض في وجوههم واصبح قرار أنها الحرب هو قرارها وحدها وليس للفلسطينيين دور فيه .. وبانتقال الحرب إلي الضفة الغربية ، فإنه لم يعد للسلطة الوطنية دور هي الأخري في كبح جماح إسرائيل.
يضيف إلي ذلك ان حلفاء الأمس خرجوا الآن تماما من الصورة ، كما في لبنان وسوريا والعراق واليمن ولم يعد لديهم ما يمكنهم ان يقدموه للفلسطينيين ، ولم تبقي غير إيران المنشغلة حاليا بتجهيز خطوط دفاعها الأخيرة عن نفسها وعن مفاعلاتها النووية المهددة بحرب إسرائيلية وشيكة لتدميرها ، وبالتالي لم يعد لديها ثمة ما يمكنها ان تساعد به حماس او غيرها غير التعاطف اللفظي الذي لا يعني شيئا ذا قيمة بلغة الواقع.
واما الجبهة العربية ، فهي ليست موحدة او حتي متماسكة وما زالت تعيش حالة يرثي لها من ازدواجيه المواقف بين المعلن والحقيقي .. ولا يشكلون بانقسام جبهتهم وتباعد مواقفهم وبسلبيتهم وتخاذلهم بسبب تخوفهم من ردود فعل أمريكا الانتقامي منهم ، اي خطوط دفاع عربية داعمة للفلسطينيين بأي صورة محسوسة ومؤثرة دوليا.
وروسيا تتقارب مع أمريكا حول أوكرانيا وهو ما سوف يزيد من ابتعادها عن الشرق الأوسط وفي قلبه مشكلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وباقي دول العالم سبق وان قدمت لدعم الشعب الفلسطيني كل ما لديها من دعم نفسي ومعنوي للفلسطينيين ولم يعد لديها المزيد لتقدمه لهم.
وإدارة أمريكية يزداد دعمها بالسلاح والمال لإسرائيل يوما بعد آخر وهي حائط الصد الأول في العالم عنها .. وهي التي تعدها لدور اكبر في ما تسميه بالشرق الأوسط الجديد والذي لن يكون فيه للعرب كفاعلين إقليميين دور يعتد به. وهذا هو ما يجري التحضير له علي قدم وساق الآن.
هذا هو الموقف علي حقيقته في ظل آلة حرب إسرائيلية شرسة ومتوحشة ومتحفزة لأن تسحق وتدمر وتبيد في مواجهة سلاح ضعيف انقطعت مصادره عن حماس وعن باقي فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة ، مع شعب فلسطيني تحمل من الأهوال والفظائع ما لم يتحمله شعب آخر في العالم .. ولم يعد لديه هو الآخر المزيد من الدماء والأرواح ليقدمها قربانا في حرب افقدته حاضره ومستقبله ، وتوشك ان تكمل علي ما بقي له من أمل في الحياة.