مقالات

ماذا بعد إستضافة الجولاني في مؤتمر القمة العربية

✍️ يوحنا عزمي 

‏مع مبالغة كل طرف في تصور ما حدث إليك النتيجة ..

فريق جمهورية الجولاني الإرهابية الطائفية أًصدق إنباء من الكتب يقولوها في معرض إجبار مصر على قبول استضافة الجولاني الإرهابي ومصافحته ، فريق جمهورية خصوم الجولاني هذه خيانة للأمة العربية والإسلامية وخيانة لأرواح الشهداء المصريين الذين سقطوا على يد تنظيم القاعدة.

هقولكم على القصة باختصار :

أولا : في مصر لا يوجد تعنت سياسي دبلوماسي منذ إنشاء الدولة الحديثة في عصر محمد علي باشا فالسياسة المصرية تتسم بالمرونة منذ القرن 19 ولها سوابق كثيرة في مصافحة الأعداء والخصوم والجلوس معهم أي تدرك الفارق بين العواطف والعمل الدبلوماسي وبالتأكيد عاطفة المصريين ليست مع إسرائيل وليست مع القاعدة لكن الدبلوماسية المصرية مع المصالح الإستراتيجية قصيرة وطويلة الأمد.

ثانيا : مصافحة الأعداء ليست تطبيعا أو علاقات طبيعية أو حتى هامشية هذه رسائل في الداخل والخارج ومن أمثلة هذه الرسائل أن هذه المصافحة خلقت شقا في صفوف الإسلاميين الذين يروا نظام مصر كافراً ومحارباً وأن الجيش المصري يحكمه الطغاه ووجب إسقاطه.

نفس موضوع المصافحة الشهيرة بين ترامب وكيم جونج أون كل رئيس كان مستفيدا من اعتراف الآخر به والجلوس معه ومصافحته لكن في النهاية كوريا الشمالية وأمريكا ظلوا أعداء وكلاهما يتربص بالآخر.

ثالثا : مصافحة الخصوم في العرف الدبلوماسي لها أهداف غير التطبيع هذه قد يكون الهدف منها السلام وتجنب الحرب أو تخفيف التوتر أي هي مجرد فتح قناة للتواصل.

رابعا : من يقول أن مصر ونظام الجولاني ليسوا أعداءاً ولا خصوم حضرتك سوريا تحت إدارة الجولاني موضوعة من ضمن قوائم سفر الإرهاب المصرية ، وقد منعت مصر القدوم منها سوى بتأشيرات أمنية ومنعت قدوم السوريين سوى حاملي الإقامات المؤقتة ويجري فحص كل سوري أو قادم من سوريا أمنيا في موانئ مصر المختلفة.

خامسا : الواقعية السياسية تلزم الإعتراف بوجود الخصم وقوته وهذه مسألة منفصلة عن التطبيع معه أو الاطمئنان له أو مكافحة مشروعه فالجولاني الإرهابي لا يختلف اثنان على قوته بسوريا بدليل حكمه للدولة وعدم وجود منافسين له بعد الأسد ومن الواقعية السياسية الإعتراف بوجوده لا الإعتراف بمشروعه وأفكاره أو حتى الاطمئنان له وعدم مكافحة نظامه الديني المتطرف.

أّذكر من التاريخ زيارة نيكسون الشهيرة للصين عام 1972 والتي أعادت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة منذ الحرب العالمية الثانية لكن ظلت الصين شيوعية وأمريكا رأسمالية وبين المشروعين حرب ضروس وذكر الزيارة مع الفارق بينها وبين زيارة الجولاني مصر ولكن المخرجات متشابهة.

سادسا : مصر مع نظام الجولاني تستخدم سياسة الردع كمثال تهديدها بالرد على الإرهابي أحمد المنصور الذي دعا لإسقاط الجيش المصري بثورة دينية في التحرير وهذا قد يؤدي لقصف مصري للفصائل السورية المسلحة بهدف القضاء على هذا الإرهابي وزمرته وقد استجاب الجولاني ومنع المنصور من الظهور لكن لم يعتقله ولم يسلمه ومصر لا زالت ترى عدم اعتقال هذا الإرهابي وعدم تسليمه في الحسبان.

سابعا : قد يكون لهذا اللقاء فوائد على المستوى الإقليمي حيث يجري تهدئة نظام الجولاني ومنعه من الاعتداء الطائفي على دول الجوار حيث أن تكرار هذه الزيارات ورسائلها الإقليمية تؤدي لإضعاف الجولاني داخليا وتخفيف الحشد الديني الذي يدعو إليه مع فصائله الإرهابية ضد الأنظمة العربية وشعوبها.

وفي هذا السياق أذكر من التاريخ اتفاقية ميونيخ عام 1938 الذي حاولت فيه بريطانيا وفرنسا تهدئة هتلر وإقناعه بعدم إحتلال مناطق بتشيكوسلوفاكيا ولكن الإتفاقية فشلت في الأخير واندلعت الحرب بعدها بعام واحد.

قد يكون السبب الذي تراه في مصافحة الجولاني هو نفسه الذي دفع زعماء أوروبا للجلوس مع هتلر فالنظام الإرهابي الحاكم بسوريا يرى ضرورة إحتلال العراق ولبنان ومظاهراتهم الطائفية آخرها اليوم في جنازة مفتي الإرهاب قاسم جاموس تدعوا لاحتلال هذه الدول وفرض شريعة القاعدة فيها.

والواقع يشهد على دعم تركي وقطري غير محدود لنظام الجولاني وفصائله الإرهابية وعدم وجود منافسين عسكريين يمكنهم وقف هذا الجنون فمن الحكمة تقليم أظافر أو إضعاف أو تهدئة هذا القوة غير العاقلة ولو بشكل مؤقت لحين إيجاد أو خلق قوة منافسة.

ثامنا : الجولاني وبرغم أن نظامه الديني متطرف ويشكل تهديدا أمنيا لكنه منذ توليه السلطة في سوريا في ديسمبر 2024 وهو يستخدم أسلوب براجماتي للحفاظ على سلطته وضمان بقاءه وهو بذلك يطبق مبادئ ميكافيلي في “الأمير” وتوماس هوبز في “الليفياثان” بأن الدول يجب أن تختار التفاوض لضمان بقاءها.

والجولاني يبدو أنه حريص جداً على بقاءه والواقعية السياسية تقول بضرورة الاستفادة من هذا التوجه البراجماتي لإضعاف القاعدة ومشروعها الديني في المقابل تشجيع المعتدلين داخل إدارته والليبراليين السوريين لإحداث التوازن.

بالمناسبة ، الدبلوماسية مع الأعداء ليست مبنية على الأخلاق فبالتأكيد المصريون يرون تنظيم القاعدة وإسرائيل جهات شريرة لكن الدبلوماسية معهم شئ منفصل وهذه قصة كبيرة وعراك كبيرة بين فلاسفة المادة والمثال يطول ذكره. 

والخلاصة أن هذه المصافحة وتلك الزيارة أخذت أكبر من حجمها ولو قرأنا النقاط أعلاه بعين الفحص لرأيناها من جانب مختلف خصوصا وأن الجولاني يحكم دولة وشعب شقيق بينه وبين مصر روابط تاريخية وثقافية عميقة والدبلوماسية في هذه الأحيان تراعي هذه الجوانب التي قد لا يهتم بها القادة في سبيل تحقيق مشروعهم الخاص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!