✍️ يوحنا عزمي
تعد منطقة الساحل السوري إحدى أكثر المناطق الإستراتيجية حساسية في سوريا ، فهي تتمتع بموقع جغرافي مميز يطل على البحر الأبيض المتوسط ، مما يجعلها محط إهتمام القوى الإقليمية والدولية.
مع تفاقم الحرب الأهلية السورية التي بدأت في عام 2011، أصبحت هذه المنطقة مسرحًا لعدة صراعات محلية ودولية تتداخل فيها المصالح السياسية والاقتصادية.
سنستعرض في هذا المقال الأسباب التي أدت إلى تصاعد الأحداث في الساحل السوري ، والعناصر الأجنبية المتورطة ، والدول التي لها مصالح استراتيجية في المنطقة.
اولاً : أسباب أحداث الساحل السوري
ـ الصراع الداخلي في سوريا : بداية من عام 2011، انزلقت سوريا إلى صراع داخلي دامٍ نتيجة للاحتجاجات الشعبية ضد حكم الرئيس بشار الأسد ، والتي تحولت بسرعة إلى حرب أهلية شاملة. الوضع في الساحل السوري كان فريدًا مقارنة ببقية المناطق السورية نظرًا لوجود العلويين وهي الطائفة التي ينتمي إليها الرئيس الأسد ، في هذا الجزء من البلاد.
لذلك ، مثل الساحل السوري ، وخاصة محافظة اللاذقية ، مركزًا دعمًا قويًا لنظام الأسد ، مما جعلها هدفًا للمعارضة المسلحة التي كانت تسعى للإطاحة بالنظام.
ـ التوترات الطائفية والعرقية : كانت الطائفة العلوية في الساحل السوري عرضة لتهديدات من القوى المعارضة من مختلف الطوائف الأخرى ، مثل السنة الذين يشكلون غالبية الشعب السوري. هذا التوتر الطائفي كان سببًا رئيسيًا في جعل الساحل السوري نقطة اشتعال رئيسية في الصراع.
الجماعات المسلحة التي شكلت تحالفات مع الدول الإقليمية استهدفت الساحل السوري بانتظام ، في محاولة لإضعاف تأثير الأسد.
ـ الوجود العسكري للنظام : الساحل السوري يحتوي على القاعدة البحرية الروسية في طرطوس ، وهي واحدة من القواعد البحرية الوحيدة التي تمتلكها روسيا على البحر الأبيض المتوسط.
في بداية النزاع السوري ، دعم نظام الأسد بقوة هذه القاعدة البحرية التي كانت بمثابة نقطة انطلاق لعمليات القوات الروسية العسكرية.
الدعم الروسي في هذه المنطقة كان ضروريًا لاستمرار النظام في السلطة ، مما جعل الساحل السوري هدفًا عسكريًا مركزيًا في الصراع.
ثانياً : العناصر الأجنبية المتورطة في الأحداث
روسيا : تعتبر روسيا من أبرز القوى الأجنبية التي تدخلت في الأحداث السورية ، حيث أصبحت القوة العسكرية الرئيسية التي تدعم نظام الأسد.
تركز روسيا في اهتمامها على الساحل السوري بسبب وجود قاعدة طرطوس البحرية وكذلك قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية ، والتي تعتبر نقطة إستراتيجية هامة بالنسبة للنفوذ الروسي في البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط. التدخل الروسي في سوريا ، الذي بدأ بشكل مكثف في 2015، أدى إلى تغيير موازين القوى لصالح نظام الأسد وأدى إلى زيادة القصف الروسي على مناطق مختلفة في الساحل السوري.
ـ إيران : تساند إيران النظام السوري من خلال تقديم دعم عسكري ومالي بالإضافة إلى إرسال مستشارين عسكريين وميليشيات موالية. إيران تسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة عبر ما يسمى بـ”الهلال الشيعي”، الذي يمتد من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان. الساحل السوري كان محطة حيوية في هذا السياق ، حيث حاولت إيران تعزيز وجودها في المنطقة عبر دعم النظام وميليشياته.
ـ الولايات المتحدة وحلفاؤها : على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تتدخل مباشرة في القتال داخل الساحل السوري ، إلا أن دعمها لفصائل المعارضة السورية كان له تأثير كبير على الوضع في عموم سوريا. التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش كان له دور في توجيه الضغوط على النظام السوري من خلال دعم المعارضة المسلحة في شمال سوريا وشرقها، وهو ما ساهم في زيادة تعقيد الوضع الأمني في مناطق الساحل السوري.
ـ تركيا : كانت طرفًا فاعلاً في الصراع السوري ، حيث دعمت فصائل المعارضة السورية بهدف تقليص نفوذ الأكراد وحماية حدودها الجنوبية من التهديدات. تركيا كان لها مصلحة في الحد من تعزيز نفوذ الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس في سوريا. كما أنها كانت تسعى أيضًا إلى إضعاف التنظيمات الكردية المرتبطة بـ حزب العمال الكردستاني ، وهو ما جعلها تشارك في عدة عمليات عسكرية في الشمال والشمال الغربي السوري ، وهو ما أثر على الوضع الأمني في الساحل السوري.
ثالثاً : الدول ذات المصالح الإستراتيجية في الساحل السوري
ـ روسيا : تحتل روسيا المرتبة الأولى بين الدول ذات المصالح الإستراتيجية في الساحل السوري. من خلال وجود قواعدها العسكرية في طرطوس و حميميم ، تتمتع روسيا بوجود قوي على البحر الأبيض المتوسط ، ما يسمح لها بالتأثير على السياسات في المنطقة والضغط على الدول الغربية. كما أن الدعم الروسي للنظام السوري يعزز من موقع موسكو كقوة عظمى في الشرق الأوسط.
ـ إيران : من خلال دعمها المستمر للنظام السوري ، تسعى إلى تأمين وجودها في البحر الأبيض المتوسط وتعزيز علاقتها مع حزب الله اللبناني والجماعات المسلحة الشيعية في المنطقة. تعد الساحل السوري نقطة محورية لتعزيز الوجود الإيراني في المنطقة.
ـ الولايات المتحدة : لا تزال تهتم بموازنة النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة ، وتحاول دعم المعارضة السورية في مناطق أخرى من سوريا.
كما أنها مهتمة بإيقاف تمدد التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة لذلك تسعى دائمًا إلى التدخل في القضايا السورية لضمان مصالحها في المنطقة.
ـ تركيا : تسعى إلى الحد من نفوذ الأسد في المنطقة ، وتقليص التأثير الإيراني والروسي على الساحل السوري ، مع تعزيز نفوذها في شمال سوريا من خلال دعمها لقوى المعارضة المسلحة.
ـ الدول العربية (مثل السعودية وقطر) : بعض الدول العربية مثل السعودية وقطر كان لها دور كبير في دعم المعارضة السورية في بداية الأزمة.
السعودية ، على وجه الخصوص ، ترى في بقاء النظام السوري تهديدًا للمصالح العربية والأمن الإقليمي ، لذا فهي تدعم المعارضة السياسية والعسكرية في محاولة لإزاحة الأسد.
الخاتمة : تظل أحداث الساحل السوري جزءًا من الصراع السوري الأكبر الذي شهد تداخل مصالح دولية وإقليمية معقدة.
روسيا وإيران تسعيان إلى تعزيز نفوذهما عبر دعم النظام السوري ، في حين أن الولايات المتحدة وتركيا ودول عربية أخرى تدعم المعارضة لتحقيق مصالحها الإستراتيجية .
الساحل السوري بموارده البحرية والقواعد العسكرية المهمة
سيظل نقطة صراع رئيسية في هذا النزاع الدائم.