✍️ يوحنا عزمي
أربع جبهات حرب فتحتها إسرائيل وأمريكا في المنطقة العربية معا وفي توقيتات متزامنة ، يتفاوت مستوي العنف فيها من اقصاه في غزة واليمن إلي مستوي اقل نسبيا في لبنان وسوريا ، وان كانت هذه الجبهات الأخيرة تبقي جبهات ساخنة وقابلة للتصعيد السريع في اي وقت .. وقد تلحق بها قريبا جبهة الحرب علي إيران ، والتي قد تكون هي الأخطر والاكثر عنفا ودمارا والاوسع مدي من بين كل تلك الحروب والمواجهات المسلحة في الشرق الاوسط.
وهناك الخوف الكبير من ان تخرج هذه الحرب الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية عن السيطرة وبخاصة اذا ما تحركت اذرع إيران الخفية وخلاياها النائمة داخل المنطقة وخارجها لتضرب في اماكن واسعة من العالم انتقاما لإيران .. وقد يكون ذلك عاملا مهما داخلا في حساب إيران لما سوف يكون عليه ردها علي هذا الهجوم العسكري المتوقع بين لحظة واخري مع انذارات الرئيس ترامب المتلاحقة لها ، اما بالاستسلام او الحرب.
من الصعب التنبؤ بالكيفية التي سوف يتم بها هذا الهجوم الأمريكي الإسرائيلي علي مفاعلات إيران النووية المتعددة المواقع والشديدة التحصين ، وكذلك بنوعية الأسلحة التي سوف تستخدم في هذا الهجوم.
وان كان الرأي الأرجح هو انها سوف تكون أسلحة من نوع خاص جدا تنفرد امريكا وحدها دون سائر دول العالم بحيازتها ، وهي القنابل الارتجاجية القادرة علي اختراق وتدمير اشد المواقع تحصينا .. ويعنون بها المواقع التي يستحيل اختراقها والوصول إليها في اعماقها البعيدة تحت الأرض او في المناطق الجبلية شديدة الوعورة كما هو الحال مع مفاعلات إيران النووية بغير هذه النوعية من الأسلحة فوق التقليدية ودون النووية والمصممة خصيصا لهذا الغرض.
وهذا هو ما يقوله الخبراء العسكريون. واعتقد أنه لهذا السبب لم تتمكن إسرائيل من انجاز هذه المهمة وحدها وكان لا بد لها من الاعتماد فيها علي قوة حليفها الأمريكي .. وهو ما لن يتأخر الرئيس ترامب عن الاستجابة له وكل تصريحاته في الفترة الأخيرة تشير بذلك وتؤكده.
إيران تعرف ذلك وتتوقعه وتتهيأ له علي قدر ما تتيحه لها قدراتها العسكرية المحدودة بالمقارنة مع القوتين الأمريكية والإسرائيلية ، ولأن الخيار البديل الذي يضعه ترامب أمامها علي الطاولة هو خيار الاستسلام الكامل لشروطه التي يأتي علي رأسها قبولها بتفكيك برنامجها النووي بالكامل بما لا يعود معه يشكل تهديدا بأي شكل وإغلاق ملفه نهائيا.
وهو ، ان حدث ، سوف يشكل ضربة أمنية واستراتيجية وسياسية قاصمة لإيران ، وينزع من يدها اهم ورقة تستخدمها في الضغط وفي تحسين قدرتها علي المساومة وفي سعيها لفرض هيمنتها الإقليمية ، وفي ردع إسرائيل ، وما إلي غير ذلك من أهداف .. فتدمير البرنامج النووي الإيراني سوف يعني تدمير اقوي ركائز إستراتيجية إيران القومية علي الصعيدين الإقليمي والدولي.
وفي اعتقادي ان الضربة العسكرية الأمريكية الإسرائيلية المتوقعة لإيران سوف تأتي في توقيت متزامن او لاحق مباشرة علي تدمير قوة حلفائها الحوثيين في اليمن باعتبارهم اكبر واهم الجبهات المساندة لإيران الآن وفور الإنتهاء من إزالة تهديدهم الذي يشكلونه علي قوة امريكا البحرية المحتشدة حاليا في المنطقة .. فالحرب علي الحوثيين هي التمهيد الضروري للحرب علي إيران وحتي يكون التركيز علي الجبهة الإيرانية وحدها وليس موزعا علي عدة جبهات في نفس الوقت.
الشرق الأوسط من غزة إلي إيران مروراً بلبنان وسوريا واليمن وربما العراق ايضا إذا ما خرجت الأمور فيه عن مسارها الحالي وافلت زمامها ، يعيش اسوآ حالاته واحلك أيامه سواداً .. وتفاقم اوضاعه كنتيجة لكل هذه الحروب العدوانية والصراعات المسلحة المدمرة والمتلاحقة والتي لا تترك لشعوبه فرصة لالتقاط انفاسها وتضميد جراحها ، قد يفجر طاقات هائلة من الفوضي والعنف والإرهاب مع كل هذا الدمار والخراب والبؤس والشعور بالاحباط الذي يشيع في كل مكان فيه ، وسوف يكون وقع ذلك كله علي كافة دول المنطقة اشبه ما يكون بالزلزال ، وبما يمكن ان يجعل منه مصدر الخطر الأكبر علي السلم والأمن الدوليين وليس للسلم الإقليمي وحده. وقد يأخذ الشرق الأوسط في طريق آخر غير الطريق الذي يرسمونه له في واشنطن وتل ابيب ، ويثيرون كل هذه الحروب المدمرة من اجل تحقيقه علي أرض الواقع .. فتفجير الحروب واشعالها سهل كما هو معلوم ، لكن احتواءها والسيطرة علي عواقبها وتداعياتها ومضاعفاتها هو امر من الصعوبة بمكان وهذا من واقع الخبرة بدروس وتجارب التاريخ.
الشرق الأوسط بالحرب القادمة علي إيران علي وشك ان يصبح كرة مشتعلة من النار ، هذا إذا لم تتداركه معجزة من السماء لتنقذه من الانزلاق إلي الهاوية التي يقف علي حافتها الآن .. هذا إذا كنا مازلنا نعيش في زمن المعجزات.