المتحدة للخدمات الإعلامية وحروب الوعي الثقافي
حرص العدو على توطين خطاب المؤامرة وأدواتها في معاقل القوى المصرية الناعمة ، بغية تجريد مصر من تلك اليد الطولي في المشرق ، وان يرتد هذا السلاح الناعم في صدور المصريين شعباً وجيشاً أي بالأحرى ان العدو قام بمصادرة تلك المضارب الإبداعية لصالحه ، وثالثاً ان يتم إفساح الطريق لقوى ناعمة جديدة تلعب الدور الريادي المصري ، سواء الدراما السورية خدمة للثقل السوري الموالي لإيران ، او الدراما التركية ، وحتى الدراما الخليجية، إضافة إلى الإعلام الاخباري القطري ممثلاً في تنظيم الجزيرة.
وقد أدى ذلك إلى خلل في الوعي الجمعي المصري لسنوات ، ولم تنتبه الحكومة المصرية قبل يناير 2011 لما يجرى من توطين مرعب للمؤامرة في القطاعات الصحفية والإعلامية والفنية ” تلفزيون ومسرح وسينما وراديو” والأكاديمية والفكرية والثقافية حتى باتت تلك القطاعات اشبه بطابور خامس موحد انغرس حتى المقبض في ظهر المصريين في أحلك الأوقات حينما راح الإرهاب يهدد وجود مصر الازلي.
وحينما قررت الدولة المصرية التصدي لمؤامرة الوعي المزيف ، هذا التصدي لم ينتج عنه هدف يتعلق بالأمن القومي فحسب ، بل دعم صناعة السينما والتلفزيون في توقيت مهم كانت الساحة فيه شبه خاوية كما نتذكر مسلسلات العام 2017 على سبيل المثال.
حروب الوعي ليست امر جديد ، واستخدام الدول الوطنية للسينما والتلفزيون والإعلام لطالما كان حاضراً في صراعات القرن العشرين ، ووصل الذروة في الحرب العالمية الثانية حينما قامت الولايات المتحدة بتوظيف الشخصيات الأدبية المحبوبة شعبياً في اعمال وطنية كما رأينا تشارلي شابلن وكابتن أمريكا وسوبرمان وفلاش وميكي ماوس على وجه التحديد ، بل وزار الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفيلت مدينة هوليود بولاية كاليفورنيا بنفسه خلال الحرب للاجتماع مع قادة معركة الوعي.
ولكن في مصر نحن لسنا بحاجة إلى إنتاج أدبي يفرض نفسه على الشاشة، فالحقيقة فاقت الخيال في الابداع والوطنية والبطولة ، وكل ما كنا نحتاجه هو إرادة لإيصال تلك الحقيقة الى الوعي الجمعي عبر اعمال فنية تحترم المهنية والجودة.
ولأننا على حق ، فلم تلجأ الدولة المصرية الى اقنعة او طرف ثالث او إنتاج مشترك ، يعرف الجميع الدور الوطني الذي تقوم به “المتحدة للخدمات الاعلامية” في معركة الوعي وحروب الوعي الجمعي ، وقد رصد العدو جيوش من اللجان الالكترونية بغية وصم “المتحدة” بانها تنفذ رؤية أجهزة الدولة الوطنية المصرية وكأنه سر او عار يجب اخفائه ، او محاولة فض الجماهير عن الإنتاج السينمائي والتلفزيوني للمتحدة وصولاً إلى شن حملات مقاطعة على المسلسلات وبعض النجوم الذين شاركوا في اعمال المتحدة، وفى مرحلة لاحقة تم ترتيب حملات عبر بعض الأسماء المشبوهة التي تدعي الوطنية وتوزع الصكوك الوطنية من اجل مقاطعة بعض المسلسلات او النجوم ، فقد فشل خطابهم الأول ولاحقاً اندسوا في رداء يدعي الوطنية ويحاولون ايضاً تنفيذ نفس الغرض من داخل التيار الوطني ، وذلك عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
ولكن الالتفاف الجماهيري حول مسلسلات المتحدة سنوياً ، والنجاح الاستثنائي لفيلم الممر ومسلسل الاختيار في موسمه الأول ، كان ابلغ رسالة ان رجل الشارع قد نبذ صراع “اللجان واللجان المضادة” عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، فالمواطن المصري ذو حس ثقافي وتذوق فني هو الذى صنع مجد الفن السابع والثقافة المصرية ، وكان استهداف هذا الحس وتلك الحواس من ضمن بنك أهداف استهداف القوى الناعمة المصرية ، فالقضاء على الذوق العام وجعل الانحطاط الفني بديلاً ، هو بند مهم في لعبة البرمجة الفكرية والعصبية لاعتياد الانحطاط الوطني والقومي.
يدرك رجل الشارع جيداً دور “المتحدة” اليوم، وينتظر افلامها ومسلسلاتها، ويترجم هذا الانتظار إلى أرقام مليونية في المشاهدات والاقبال الجماهيري، بينما لجان العدو سواء اللجان الصريحة او تلك التي تتخفى في وشاح الوطنية تعض أصابع الهزيمة والخيبة.
سقطت دعوات المقاطعة لمسلسلات بعينها ، وبكل اسف لم يدرك الكثير من الأصوات الوطنية ان تلك الدعوات للمقاطعة وان صدرت من أسماء او صفحات الكترونية تدعي الوطنية ، الا ان تلك الدعوات التي تستهدف المتحدة قد خرجت من معاقل الإخوان الهاربون إلى في قطر وتركيا ولندن.
يدرك رجل الشارع حقيقة انه في اعمال مثل “الاختيار” و”القاهرة – كابول” و”الاختيار 2″ على سبيل المثال أنك لا ترى الا الحقيقة الخالصة لكيف عبرت الأمة المصرية من فخ التفكيك والإرهاب باسم الثورة والديموقراطية وحقوق الانسان، وأنك امام اعمال وثائقية في رداء درامي.
وأننا لا نعرض استراتيجية مكافحة الإرهاب على المتحذلقون لأخذ مشورتهم بل نعرض للشعب المصري كيف نجا من نموذج أفغانستان قبل ان ينجو من نموذج سوريا والعراق وليبيا واليمن وما هي الاستراتيجيات والأفكار والتضحيات التي تجعلنا اليوم في بيوتنا نعيش حياة طبيعية آمنة بينما الدول من حولنا تناقش مصائرها على موائد اجنبية في فيينا وبروكسيل وجنيف والآستانة وبرلين في اجتماعات دورية عبثية تدخل عامها العاشر بحلول الصيف المقبل.
أصبح اخيراً لمصر رأس حربة في معركة الوعي والحروب الثقافية بعد سنوات من العجز عن التحرك في هذه الدروب وترك المشاهد المصري فريسة للمشاريع الأجنبية تسكب في رأسه عبر القوى الناعمة البديلة او المأجورة افكاراً ضد الهوية المصرية وقيم الجمهورية المصرية.
شاهدوا بطولات ابطالكم ، وتشبعوا بها ، وليتوضأ وعيهم الجمعي ببطولات هؤلاء الابطال ، وانفضوا عن رؤوسهم دباجات المؤامرة وسرديتها المزيفة واجعلوا اطفالكم وشبابكم وابنائكم يشاهدوا الحقائق على الهواء مباشرة لعل هذا الجيل ينجو من خيبات الوعي الزائف الذي لطخ سنوات شبابكم ولا تقعوا فريسة استراتيجيات الابتزاز والاعدام المعنوي التي يشنها هؤلاء الجالسون في منتجعات السبع نجوم في قطر وتركيا ولندن ويدعون معرفتهم بحال رجل الشارع في مصر.