ابداعات

” فيروز” 

 

لجين سامح 

 

 

” بكتب اسمك يا حبيبي على الحور العتيق 

تكتب اسمي يا حبيبي على رمل الطريق” 

 

أضع السماعات، من أغنية لأخرى، فيروز.. تصدح بأذني، بينما أجلس في الشرفة واحتسي قهوتي

 

الساعة السادسة والنصف صباحًا،

وهو لم يأت بعد

موعدنا في الخامسة

 

عند شاطئ الاسكندرية، لكن؟ 

 

ما زلت أنتظر في الشرفة منذ ساعة ونصف، ربما هو نائم فحسب، لقد كان من المقدر لي أن أرى الشروق وحدي اليوم..

 

” بكرة بتشتي الدني عالقصص المجرحة بيبقى اسمك يا حبيبي واسمي بينمحى..” 

 

يطرق الباب، ليس هو بالتأكيد،

” من هناك؟ “

 

لا جواب، أفتح الباب بتهور- كعادتي- ، رجلًا..

تختفي ملامحه تحت قبعته السوداء، كمامته الطبية، والنظارة ..

الأسود يلف به من كل اتجاه..

 

” الطرد ..” 

 

أوقع على الاستلام، آخذ الصندوق للداخل، كان ثقيلًا.. للحد الذي جعلني اتعثر وأسقط على وجهي..

لكنني تنفست الصعداء أخيرًا بعد أن رحل الرجل 

 

افتح الصندوق، وأنا اتلهف على الفستان النيلي الذي أنتظره منذ زمن

 

لكن..

لم يكن نيليًا، كان.. أحمرًا قاتمًا

و.. هناك رأس

 

رأس بشري،

رأس كاملة مقطوعة

شعر يخرج من الصندوق

وتحركه الرياح

 

بالتأكيد، أنا أهلوس

 

” بيبقى اسمك يا حبيبي واسمي بينمحى” 

 

لم أستطع الصراخ، لم.. أستطع إسكات فيروز

ولم.. أستطع التحرك قيد أنملة

 

يطرق الباب..

 

لا أجيب

 

يطرق ثانية..

 

لا أجيب

 

أقلب الرأس لأرى الوجه، وقد.. كان هو!

هو! 

الرجل الذي أحضر لزفافي معه،

الرجل الذي.. أمضيت عامين من عمري، مع خاتم خطبته في يدي

 

الرجل الذي..

 

أصرخ 

يطرق الباب،

“الشرطة.. إن لم يفتح الباب حالًا، فسنضطر إلى التدخل و كسر الباب..” 

 

 أصرخ ثانية..

اتقيأ..

 

“راحت الأيام وشوي شوي سكن الطاحون عكتف المي” 

 

الجميع أمامي،

خمسة رجال شرطة،

وصندوق

ورأس بشري

وفستان نيلي

 

الأصفاد

تقيد يدي،

السماعات ما زالت في أذني 

وفيروز..

تلك اللعينة لا تصمت

 

” جدي صار طاحونة ذكريات” 

 

لا أفهم شيئًا،

لا أعي شيئًا،

أقلب خاتم خطبتي في يدي كالممسوسة

 

أهمس للشرطي 

” أرجوك.. زفافي الأسبوع القادم” 

 

يصرخ بي: ” أين باقي الجثة؟”

 

“أرجوك..” 

صوت بكاءي، أعلى من كل شيء حولي

 

من النسوة في الزنزانة 

من الرضع،

من الرجال والنساء الذين يصرخن بالخارج،

من العسكري الذي يطرق باب الزنزانة ” الطعام” 

 

صوت بكاءي

أعلى من صوت بطني الخاوية،

أكثر حدة.. من مرور الأيام والساعات 

 

أسوأ من غرفة الاستجواب،

وأعلى من صوت السيدة جواري: لقد قتلت خاطبها قبل زفافها بأسبوع

 

” لم أقتله..” 

أصرخ،

وتأتيني نوبة هيستريا

أضرب جميع الأبواب، 

الجدران،

والرجال

والنساء

 

” أنا مختص نفسي”

أسبه،

القي بالماء في وجهه،

واتكور في الجوار

 

” أنا الشرطية ..” 

اضربها في معدتها،

رغم الأصفاد

 

زنزانة فردية، والأصوات تتماوج: “أنا مختص نفسي” 

“أين باقي الجثة” 

“هل قتلته؟” 

“أنا لحبيبي وحبيبي إلي..”

 

يتبع..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!