✍️ يوحنا عزمي
حين هبطت طائرة دونالد ترامب في إحدى العواصم الخليجية ، لم يكن العالم يرحب برئيس أمريكي ، بل بـ”رجل الصفقات” الذي ما زال يتقن خلط الأوراق ، وبين سطور الإجتماعات المغلقة والابتسامات الرسمية ، كانت هناك أجندة غير مكتوبة ، لكنها مفهومة لمن يقرأ السياسة كمن يقرأ الخرائط الحرارية : كل نقطة اشتعال تساوي صفقة ، وكل تهديد بحرب يساوي استثماراً جديداً في الأمن.
– لماذا حضر أبو محمد الجولاني وغابت القاهرة؟
سؤال صادم لكنه ضروري. ظهور أبو محمد الجولاني ، زعيم “هيئة تحرير الشام” المحسوبة سابقًا على تنظيم القاعدة ، في كواليس الزيارة أو ما تسرب منها ، يطرح علامات استفهام مرعبة : هل أصبح الإرهابيون أدوات دبلوماسية ؟ أم أن المنطقة دخلت مرحلة “الواقعية المتوحشة” حيث يُختار الفاعلون لا بناءً على شرعيتهم ، بل على فاعليتهم؟
أما غياب القاهرة ، فليس مجرد تجاهل ، بل رسالة. فمصر التي اعتادت أن تكون قلب الشرق الأوسط ، أصبحت في نظر البعض اليوم دولة مراقبة من الشرفة ، لا شريكاً في طاولة المفاوضات.
هل لأن ترامب لا يثق في قيادة أصبحت أقرب إلى الاستقلالية ؟
أم أن القاهرة رفضت أن تكون شاهد زور على إعادة ترسيم المنطقة بأموال خليجية وصفقات أمريكية؟
– ترامب ونتنياهو : خلاف أم توزيع أدوار؟
الحديث عن خلاف مفترض بين ترامب ونتنياهو يشبه مسرحية نعرف نهايتها قبل أن تُعرض. فالرجلان يجيدان التمثيل السياسي ويعلمان متى يتبادلان الأدوار بين الصقر والحمامة. قد يختلفان إعلامياً ، ولكن لا أحد يجهل أن “الخلاف” يأتي فقط لتمرير الوقت حتى تنتهي زيارة ترامب ، وتُمنح إسرائيل الضوء الأخضر لتعود إلى عادتها القديمة : قصف غزة وتغيير الواقع بالقوة.
– صفقة سوريا – إسرائيل : ولادة شيطان تحت مظلة تركية – خليجية – أمريكية
تشير التسريبات إلى طبخة تسوية بين النظام السوري وإسرائيل ، تحت عين تركية باردة ويد خليجية دافئة. لم تعد معادلة “لا صلح ولا تفاوض” قائمة. بل أصبحت الصفقة تعتمد على معادلة “أرض مقابل وجود”، حيث يُترك الأسد في دمشق ، مقابل أن تُسحب إيران بهدوء من الجنوب السوري ، وتُفتح قنوات التطبيع الخفية مع تل أبيب.
السؤال الأهم : هل باتت إسرائيل جزءًا من الحل، بعدما كانت عنوان المشكلة ؟ أم أن هذا الحل هو في حقيقته إعلان صريح بأن زمن المقاومة قد انتهى فعلياً ؟
– الخليج ورفض قصف إيران : من العداء إلى الحذر
منذ سنوات ، كان الخليج يصفق لأي ضربة غربية ضد طهران. اليوم ، نرى لهجة مختلفة ، بل رافضة علنًا للتصعيد الأمريكي أو الإسرائيلي ضد إيران. هل هو تغير في الرؤية الاستراتيجية؟
أم إدراك متأخر أن سقوط إيران يعني فوضى حدودية وشيعية قد تبتلع الجميع ؟ .. يبدو أن دول الخليج باتت تدرك أن الوحش المربوط أفضل من الوحش المذبوح.
– قمة خليجية فقط : لماذا لا قمة عربية أو إسلامية؟
في 2017، حرص ترامب على الظهور في ثلاث قِمم : إسلامية ، عربية ، وخليجية. اليوم ، يكتفي بالخليجية. المعنى واضح : لم تعد أمريكا ترى في العالم العربي والإسلامي كتلة متماسكة ، بل جيوبًا من النفوذ والمصالح. الخليج هو البوابة إلى المال ، والتحالفات ، والأسلحة. أما بقية العالم العربي ، فهو مجرد صدى لما يُقرر في الخليج.
– مصادفة أم جدول أمريكي؟ زيارة ترامب قبل قمة بغداد
زيارة ترامب قبل ساعات من القمة العربية في بغداد ليست صدفة ، بل رسالة. أمريكا ما زالت تملي جدول الأعمال ، وتحرص على “تأطير” النقاش العربي. كل زعيم عربي دخل قاعة قمة بغداد، كانت في ذهنه صورة من صافحهم ترامب قبل يوم.
هل سيعارضون مشروعه ؟ أم يركبون موجته بحثا عن رضا واشنطن؟
– استثمارات أم رشاوى سياسية ؟
صفقات بالمليارات ووعود بمناطق حرة وشراكات استراتيجية. ولكن ، هل هي استثمارات حقيقية ؟ أم مجرد رشاوى سياسية تُدفع من أجل الحماية أو السكوت أو حتى الاعتراف؟ قد تكون الحقيقة مزيجاً من الأمرين.
ترامب يعود لا ليستعيد مجده ، بل ليصنع خريطة جديدة للشرق الأوسط ، هذه المرة بالألوان الخليجية وبحبر إسرائيلي .. فهل تكون هذه الزيارة بداية تسوية كبرى؟ أم تمهيدًا لانفجار جديد؟