✍️ يوحنا عزمي
ما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ، ومن خلفهما الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، فرضه على إيران بشأن برنامجها النووي ، لا يعدو كونه انتهاكًا صارخًا لسيادة دولة مستقلة ، وخرقاً واضحاً لنصوص معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT)، التي تُجيز للدول الموقعة عليها امتلاك دورة الوقود النووي ، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية ، شريطة الخضوع للرقابة الدولية.
من المهم التذكير بأن إنضمام إيران إلى معاهدة منع الانتشار النووي لم يكن نتيجة ضغوط دولية أو إكراه سياسي ، بل جاء طوعاً وبإرادة مستقلة ، إيماناً منها بأهمية الحد من الانتشار النووي ، ورغبة في التعاون مع المجتمع الدولي ضمن إطار قانوني منظم.
وقد كان بوسع طهران أن تسلك الطريق الذي سلكته دول مثل إسرائيل، الهند، باكستان، وكوريا الشمالية، بعدم الانضمام للمعاهدة، فتُعفي نفسها من كل التزامات التفتيش والمراقبة ، لكنها لم تفعل ذلك. بل فتحت أبواب معظم منشآتها النووية الكبرى أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقدمت البيانات والتقارير، دون أن تُخفي ما يدعو للريبة.
ومع ذلك، لم تتوقف الاتهامات الغربية، ولا حملة التشكيك المستمرة حول “عدم سلمية البرنامج النووي الإيراني”، في مشهد يبدو وكأنه مكرر سلفًا ، أداة جاهزة في يد القوى الكبرى لفرض الهيمنة، حتى لو تعارضت مع القانون الدولي وحقوق الدول في التنمية والتكنولوجيا.
والأخطر أن هذه الضغوط لم تكتفِ بالتحفظ أو المطالبة بالمزيد من الشفافية ، بل تحولت إلى حملة تهدف عمليًا إلى مصادرة حق إيران بالكامل في تخصيب اليورانيوم ، حتى في الحدود التي تسمح بها المعاهدة، وهي سابقة خطيرة تعكس ازدواجية المعايير الدولية، وتطرح سؤالًا مشروعًا : لماذا يُمنع الإيرانيون مما أُبيح لغيرهم؟
إن الاستجابة الإيرانية لهذه الضغوط ـ إن حدثت ـ لن تقابل بالرضا أو التهدئة كما يُوهم البعض ، بل ستُتبع بمزيد من الحصار والخنق الاقتصادي والعزلة السياسية، لأن الهدف ليس فقط البرنامج النووي، بل إضعاف إيران كقوة إقليمية مستقلة، أياً كان شكل النظام الحاكم فيها أو سياساته.
ومن هنا ، فإن التراجع الإيراني سيكون ـ برأيي ـ خطأ استراتيجياً فادحًا. فالتاريخ علمنا أن الخضوع للابتزاز لا يجلب السلام، بل يدفع إلى مزيد من الإملاءات والتهديدات. أما امتلاك المعرفة النووية ، وتطوير قدرات التخصيب العالية ، فهو حق سيادي أصيل ، وهو في حالة إيران ـ كما في غيرها ـ سلاح ردع لا اعتداء ، واستعداد مشروع في ظل عالم مضطرب.
قد نختلف مع إيران في ملفات إقليمية وسياسات داخلية ، لكن حين يتعلق الأمر بحقها المشروع في امتلاك التكنولوجيا النووية، فإن الدفاع عن هذا الحق ليس دفاعًا عن دولة ، بل عن مبدأ العدالة الدولية ، وحق كل دولة في أن تختار طريقها دون وصاية.
ويبقى السؤال الصادم الذي يجب أن يُطرح :
إذا كانت أمريكا ، التي تملك ترسانة تكفي لتدمير كوكب الأرض مئات المرات ، لم تُتهم أبدًا بالرغبة في استخدام هذه الأسلحة، فلماذا يُفترض تلقائيًا أن إيران ستفعل؟
هل لأنهم وحدهم العقلاء ، وسائر البشر مجانين؟
كفوا عن هذه الأكاذيب ، وارفعوا أيديكم عن إيران وعن غير إيران.