ابداعات

لا تسلني من أنا 

بقلم أحمد المقدم 

 

يرمقني أحدهم بنظرة يتبعها كليشيه في صورة سؤال عن الحال. وبابتسامة تحمل في طياتها مشاعر جمة تؤول إلى شخوص متاخمة لبعضها البعض حتى يكاد أحدها يطغى حينا حتى يباغته الآخر بالصعود نحو الواجهة في حين آخر.  

 

لقد أبدع جيمس مكاڤوي في رائعة المخرج والمؤلف نايت شيمالان (split)  

والذي كان عرضه الأول عام ٢٠١٦. يجسد الفيلم حالة اضطراب الهوية التفارقي (Dissociative Identity Disorder) والذي يجعل جيمس مكافوي في دور كيفين ويندل كرامب يحيا في ثوب ثلاث وعشرين شخصية مختلفة. والمثير في ذلك الفيلم هو أن ذلك الاضطراب يجعلنا ننسى حينا كنه الهوية الحقيقية لكيفن حتى نهاية الفيلم.  

 

“لكل مقام مقال”

تحيل هذه الحكمة من يستطيع تطبيقها حق التطبيق إلى ماهو أشبه بمجتمع يحيا داخله من أشخاص قد يتناقض أحدهم مع الآخر. وفي موقف تجده ذلك الشخص الوقور دمث الخلق الذي يتحدث بلباقة مع أحدهم آخذا في الاعتبار أدب الحديث بحذافيره، ثم لا يلبث أن يتحول إلى شخص يتحدث بلهجة جسد تنم عن كونه شخص زقاقي لم يخرج من الحارة!  

 

والذي ليس جديرا بالذكر هو أنك تجد أن تلك العوالم المتوازية تحوي في جنباتها حياة كاملة تمتليء بالأحداث والمشكلات و الشخصيات وذلك يجعله مثل المنتقل بين العوالم في سفينة فضائية تسير في فلك لا منتهى. قد يبدو الأمر لوهلة أنه مثيرا بتفاصيله وقد يظهر الشخص أنه يملك مرونة و قدرات اجتماعية تجعله إنسانا مطاطيا يستطيع أن يحيا داخل نطاقات مختلفة من الراحة، أو قد يبدو كذلك 

 

كيف رأى الغالبية العظمى شخصية اللمبي أو رياض المنفلوطي أمرا مثيرا للضحك والتسلي؟! قد تتوافق الآراء على أن فيلم “اللي بالي بالك” فيلما كوميديا ولكنه حقا كوميديا سوداء إذا ما ادركنا حقيقة أن المعاناة التى قد عاشها البطل الذي لا نعرف حتى اللحظة إن كان هو رياض أو اللمبي أو حتى ذلك السائح الذي ظهر لنا في نهاية الفيلم. ولكن ما نعرفه أن ذلك الشخص قد ظل يعاني طيلة الفيلم حتى عندما كان شخصيتين مختلفتين وكل منهما لديه قصته من المعاناة في حياة لا يجد أي منهما نفسه فيها.  

 

ياله من مسكين أيضا إن كان في متاهة الحياة لديه هو متاهته الخاصة التي وجد نفسه في تلابيبها يزداد لغزها كل مرة يكتشف فيها اهتماما جديدا وقدرة خاصة لديه بعدما أصبح شخصا يحيا ذلك البؤس الجميل المدعو تعدد الشغف. لا تجده يرسو على بر أبدا، مسكين أخونا لا يفتأ يشرع في شيء يجيده خير إجادة حتى يفتقد إلى غيره ثم إلى غيره ثم إلى غيره حتى أصبح نموذجا عمليا للشخص ذي السبع صنايع أبو بخت ضايع.  

 

وبينما يبحث أخونا عن ذاته ويستمع إلى حوار داخلي يدور بين ما يحويه من شخوص، يسمع ويسمعون 

“كيف الحال يا صديقي”  

فيجيبون جميعا بصوت واحد 

“أنا تمام الحمد لله”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!