شعر

الإسراءُ والمعراجُ ، ورسائلُ الإيمانِ الخالدةُ .

بقلم 

الدكتور عادل اليماني 

 

في ليلةٍ ليست كأيِّ ليلة ، ليلة رق ماؤها ، وطاب هواؤها ، وصفت سماؤها ، يأتيه أمين الملائكة جبريل ، عليه السلام ، ويقول له : السلامُ يُقرِئُك السلامَ ، يا رسول الله ، ويقولُ لكَ : أنتَ الآنَ علي موعدٍ للقاء الله ! 

يا اللهُ ! ما هذا الجمال ، ما هذا التكريم ؟! ما هذه العظمة ؟!

آذاه أهل الطائف ، وأدمَوا قلبه ، قبل جسده ( ص ) بكفرهم وعنادهم ، في أصعب الأوقات علي نفسه ، إذ ماتتْ التقية النقية ، أم المؤمنين خديجة ، رضي اللهُ عنها وأرضاها ، ومات سنده ، عمه أبو طالب . 

قال الله ، جلت قدرته : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .. 

سُبْحَانَ : أمرٌ مُعجزٌ ، خارقٌ للعادةِ ، لا تقوي عليه قُدرات البشر ، والمعني : أن القادم في الحديث ، يجب ألا نُخضعه لعقولنا ، بل لقدرة مَنْ أمره بين الكاف والنون ، وإذا قضي أمراً ، فإنما يقول له كُنْ فيكون . 

كانت الرحلة المباركة ، بالروح والجسد معاً ، إذ لو كانتْ بالروح فقط ، لما بدأ بسُبْحَانَ ، ولما كان تكذيب الكافرين لها ، فلا يُكَذَبُ الإنسانُ علي ما يراه في نومه ، مهما بلغتْ درجتُه ..

أَسْرَى : الفعل هُنا منسوبُ لله ، وليس لرسوله ( ص ) تأكيداً علي تفرد القدرة ، فلم يقل ( ص ) أسريتُ ، وإنما قال : أُسري بيِّ ، وما دامَ الفعل لله ، فلا يجوز إخضاعه لمقاييس الزمن العادية لدي الإنسان . 

وإذا كانت قوانين البشر تقول : إنَّ السرعة تتناسب عكسياً مع الزمن ، وفقاً لقانون الفيزياء ، الزمن = المسافة / السرعة . فمدة رحلة الطائرة ، أقل منها للسيارة ، أقل منها للسير علي الأقدام . 

والسرعة التي يستخدمها الله = (مالانهاية ) عندئذٍ يتضاءل الزمن ليُصبحَ ( صفراً ) لأنَّ أية قسمة علي ما لانهاية = صفراً ، وبذلكَ ، لازمنَ علي الإطلاق ! أما الرسول ( ص ) فيحتاج كي يري هَذِه المشاهد الكثيرة والخطيرة ، قدراً من الوقت ، ومن هُنا جاءتْ ( لَيْلاً ) أي سويعاتٌ فقط ، جزءٌ يسيرٌ من الليلِ .

بِعَبْدِهِ : هي رحلة تكريم وتشريف وتسرية ، للعابد الأعظم ( ص ) .

والعبودية لله ، عِزٌّ وشرفٌ ، يأخذ بها العبد خَيْر سيده ، أما عبودية البشر للبشر ، فمهانةٌ ومذلَّة ، حيثُ يأخذ السيد خَيْر عبده ، ويحرمه ثمرة كَدِّه.

لَيْلاً : وليسَ نهاراً ، لتبقي المعجزة غَيباً ، يُختَبرُ بها الإيمان الصادق ، ولذلكَ صدق أبو بكر ، وتهكم أبو جهل !

وقال بعبده ، ولم يقل ( بروح عبده ) كما أدعي البعض ، للتأكيد علي فكرة الروح والجسد ، فيلزم أن يتأدب الجميع ، مع النص القرآني ، ويتوقف كلٌّ ، عند حدود علمه . 

بالإسراء والمعراج ، ترسخ الإيمان في قلوب الصادقين ، وانكشف المنافقون ، وهذا مطلوب بشدة ، قبلَ الهجرة ، وبداية بناء الدولة ، إذ لا مكانَ للمتخاذلين ! 

لِنُرِيَهُ : ولم يقلْ ، ليري ، فالفعل منسوبٌ أيضاً لله ، وقدراته اللا محدودة . 

السَّمِيعُ الْبَصِيرُ : بكل ما يدور ، ويُقال ويُنظَر إليه ، كذلكَ ، يُعطي السمع والبصر ( الخاصين ) لمَنْ أراد من خلقه ، ليسمع ما لا يسمعه غيره ، ويري ما لا يراه غيره .

في الإسراء والمعراج ، عشر رسائل مهمة : 

أولاً : عندَما تضيق الدُنيا ، فقط قلْ : يا اللهُ ..

ثانياً : اللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ .

ثالثاً : رسول الله ، أعظم الخلق ، وأعلاهم قدراً ، وأحسنُهم خُلُقاً .

رابعاً : الملائكة درجاتٌ ، والمصطفي ( ص ) فاقَ الملائكة والنبيين .

خامساً : الأنبياء إخوةٌ ، ودينهم واحدٌ .

سادساً : رسالة الإسلام ، خاتم الرسالات .

سابعاً : الصلاة عماد الدين وجوهره .

ثامناً : الإيمان بالغيب ، شرطٌ لاكتمال العقيدة .

تاسعاً : المسلمون بإيمانهم ، لا بعددهم . 

عاشراً : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصي ، كانا وسيبقيان ، قبلتي الإسلام الخالدتين .

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!