✍️ يوحنا عزمي
خلال الإتصال الهاتفي الذي جري أمس بين الرئيس السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، والذي ناقش فيه الرئيسان ابرز القضايا الإقليمية الراهنة التي يتمحور حولها كل هذا الجدل الساخن في المنطقة الآن ، وفي مقدمتها الأوضاع الكارثية في غزة والحاجة إلي تثبيت إتفاق وقف إطلاق النار ، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، ومستقبل عملية السلام الدائم والشامل في الشرق الأوسط .
حرص الرئيس السيسي ، وفق ما جاء في البيان الصادر عن المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية المصرية حول ما جري في هذا الإتصال علي التأكيد علي ثوابت الموقف المصري الراسخة من القضية الفلسطينية وكذلك مع حق مصر الذي لا ينازع في الدفاع عن أمنها القومي في وجه كل ما يتهددة من أخطار وتحديات ، وهو حق مشروع لها لا يقبل التفريط فيه او التنازل عنه او المساومة عليه بحال من الأحوال.
وما تتمسك به مصر من ثوابت مستقرة وراسخة لحماية أمنها القومي هو ما يفعله الرئيس الأمريكي ترامب نفسه بموقفه المتشدد من مشكلة المهاجرين او الوافدين إلي بلاده خارج الأطر القانونية والقنوات الشرعية ، َمن هنا كانت قراراته بترحيلهم إلي دولهم التي وفدوا منها إلي أمريكا وهو ما يجري حاليا في اكبر عملية ترحيل جماعي وبالملايين لهؤلاء الوافدين شهدتها الولايات المتحدة في تاريخها .. ولم يقم في قرارات ترحيله لهم وزنا للاعتبارات الإنسانية التي يتحدث عنها كمبرر لتهجير الفلسطينيين وترحيلهم خارج أراضيهم من غزة .
وانما وضع دواعي ومتطلبات الأمن القومي الأمريكي فوق كل اعتبار ولم يبالي بردود الفعل المحتجة والغاضبة من كل تلك الدول التي مستها قراراته .. فهو يتصرف مدفوعا بشعاره أمريكا أولا .. ويعتبر ان ترجمته إلي واقع في كافة مواقفه وسياساته وقراراته هي أقدس واجباته كرئيس تجاه شعبه .. ومن هنا نقول له ، ان ما يعتبره حقا لأمريكا ، هو حق لمصر كذلك.
نثق تماما ان القيادة السياسية المصرية بوطنيتها وبشجاعتها وبحكمة سياساتها ومواقفها ، وبمرونتها وواقعيتها ، وبقراراتها الحاسمة عند اللزوم سوف تقدر علي اجتياز الظروف الإقليمية الراهنة علي صعوبتها وحساسيتها وتعقيدها ، خاصة وان الدولة المصرية تواجه في الوقت الحاضر تحديات امنية غير مسبوقة ، واخطارا داهمة محدقة بها علي حدودها ومن مختلف الإتجاهات الإستراتيجية ، وبصورة تفرض علي قيادتها علي المستويين السياسي والعسكري التعامل معها كلها وفي نفس الوقت بحكمة وشجاعة وبالدرجة القصوي من الجاهزية والاستعداد مع أعلي درجات الحذر والترقب وضبط النفس.
ولا خلاف علي ان حماية الدولة المصرية وتأمين سلامة شعبها ووحدة أراضيها ضد كل ما يحاك لها من مؤامرات ، هي الأولوية القصوي التي يجب ان تكون حاضرة بأستمرار في كافة السياسات والقرارات التي تتحرك بها مصر وسط هذه الأجواء الإقليمية العاصفة والمتوترة والتي كانت كافية لأن تدخلها منذ سنوات في انفاق مظلمة وفي متاهات كبيرة إذا لم تعرف وقتها كيف تواجهها بشجاعة وتتعامل معها باقتدار لتتجنب خطر الفشل والسقوط كما حدث لغيرها من دول الجوار العربية هنا وهناك وما زالت تحصد عواقبه.
واما حماية الشعب الفلسطيني فالي جانب أنها هدف استراتيجي ثابت لمصر في كافة خططها الأمنية القومية خلال كافة العهود السياسية التي مرت بها ، فانها المسئولية الجماعية للدول العربية كلها وبلا استثناء اذ لا توجد ولا ينبغي ان توجد تفرقة بين دول مواجهة وودول عربية اخري بعيدة عن المواجهة كما كنا نفعل في الماضي وربما كانت هناك ظروف خاصة استدعت ذلك وفرضته ليتحمل البعض كل شيء بينما لا يتحمل البعض الآخر اي شيئ ، اما الآن فانها كلها وبلا استثناء واقعة علي نفس الخط الساخن من الاخطار والتهديدات والتحديات التي قد تضربها كلها في العمق وفي اي وقت دون سابق تهيؤ او استعداد لمواجهة الخطر الذي قد يصعب التنبؤ بشكله او مكانه او حدوده .
فالطوفان جامح وقادر علي اكتساح الجميع اذا لم يتكتلوا للتصدي له وافشاله بالافعال الملموسة وليس بالاقوال المرسلة. هذه ليست مرحلة تنافس او تسابق علي أدوار ، وانما هي مرحلة تجمع للرد علي ما يواجه الجميع من تحديات وأخطار.