✍️ يوحنا عزمي
احتضنت العاصمة الهندية نيودلهي يومي 9/10 سبتمبر 2023 القمة السنوية لمجموعة العشرين ، والتي شهدت الإعلان عن مشروع الممر الاقتصادي ، او الممرات الخضراء عابرة القارات ، او خط IMEC أو محور الهند ـ الشرق الأوسط ـ أوروبا .. ولكن الأصوب هو الممر الأمريكي لإنها فكرة أمريكية بدأت عام 2013 عقب قيام الرئيس الصيني شي جين بينج بإعلانه إحياء طريق الحرير القديم تحت مسمى مبادرة الحزام والطريق ، حيث حاولت إدارة الرئيس باراك حسين أوباما تأسيس حزام تجاري عالمي يضرب فكرة الصين في مهدها وفشلت ، وحاول أوباما في عام ولايته الأخير سنة 2016 في إحياء المشروع وفشل مجدداً.
النسخة الثالثة من المشروع وهى نسخة معدلة عن طبعة 2013 وطبعة 2016، تعتمد على الصناعة الهندية في المقام الأول ، حيث تنطلق البضائع الهندية من موانئ الهند بالمحيط الهندي عبر بحر العرب ، وبدلاً من سلك المسار التقليدي الذى يجري منذ فجر تاريخ التجارة الهندية مع العالم أي التوجه إلى خليج عدن ثم إلى مضيق باب المندب فالبحر الأحمر ثم إلى مصر ومنها إلى البحر المتوسط سواء كانت قناة السويس موجودة او حتى في سنوات ما قبل تأسيس قناة السويس.
ولكن الجديد هو ان البضائع الهندية بعد مغادرة المحيط الهندي وبحر العرب سوف تتجه شمالاً وليس غرباً ، إلى خليج عمان ثم مضيق هرمز والخليج العربي ، حيث تصل إلى موانئ الإمارات ، وفى الإمارات ينطلق خط سكة حديد إلى المملكة العربية السعودية التي تمتلك حدود مشتركة مع الأردن ومن الأردن يستمر خط السكة الحديد الى إسرائيل التي ينتهى فيها خط السكة الحديد على موانئها المطلة على البحر المتوسط ، فتنطلق البضائع عبر السفن إلى موانئ اليونان وإيطاليا وفرنسا على وجه التحديد ، ومن الدول الثلاث تنتقل البضائع عبر الملاحة النهرية المتوفرة بالفعل في القارة الأوروبية ثم إلى بريطانيا.
هذا الممر التجاري لن يقتصر على الحركة التجارية ، ولكن سوف يضم ايضاً خط كابلات انترنت سريعة إلى جانب خط نقل هيدروجين أخضر في الاتجاهين.
المخطط أمريكي غربي خالص ، يحمل بنك أهداف متكامل يشمل ما يلي :
1ـ ضرب مشروع الحزام والطريق الصيني وذلك عبر تجنب المرور عبر طريق الحرير الصيني الجديد الذى يمثل مشروع القرن الصيني ، وعلى رأس هذا المسار تجنب المرور بكل ما هو مصري سواء قناة السويس او شبكة الطرق والمواصلات والقطارات المصرية.
وعلى ضوء هذا المشروع المعادي للمشروع الصيني ، قاطع الرئيس الصيني شي جين بينج قمة نيودلهي ولم يحضر إلى قمة العشرين للمرة الأولى منذ توليه المسؤولية.
كما قرر شي جين بينج ايضاً عدم الإشتراك في قمة الأسيان (رابطة دول جنوب شرق آسيا) المنعقدة في إندونيسيا خلال سبتمبر 2023 للسبب ذاته.
2ـ تجنب التعاقد واشتراك كافة الدول المشاركة ـ قدر الإمكان ـ في مبادرة الحزام والطريق وعلى رأسها مصر التي رفضت الضغوط الغربية والأمريكية لرفض الإنخراط في طريق الحرير الصيني ، وشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة الحزام والطريق بالصين عام 2019، كما رفضت مصر الضغوط الأمريكية لسحب طلب الإنضمام إلى تجمع بريكس والذى توج النهج المصري الجديد بالموافقة على الإنضمام لتجمع بريكس صيف 2023.
ولقد بدأت الضغوط الأمريكية على مصر فور انتهاء قمة مؤتمر المناخ في شرم الشيخ نوفمبر 2022 وكانت حاضرة اثناء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن لحضور القمة الأمريكية الأفريقية عام 2022.
ويلاحظ أنه في قمة نيودلهي ، لم يتباحث الرئيس السيسي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن او رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك او حتى تبادل الحديث معهم ، كما لم يتباحث مع قادة السعودية والإمارات ، عكس المستشار الألماني اولاف شولتس الذى حرص على عقد جلسة مباحثات ثنائية مع الزعيم المصري ، وكذا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذى تبادل حديث مطول مع الزعيم المصري في إطار حقيقة ان التشاور بين القاهرة وباريس والزيارات المتبادلة لا تنقطع.
وفى إطار نفس مبدأ محاولة تجنب انخراط دول طريق الحرير الصيني في الممر الأمريكي الجديد قدر الإمكان ، فأن مسار الممر الأمريكي تجنب التوجه إلى سواحل سلطنة عمان رغم انها الأقرب للهند وبحر العرب وخليج عمان عن الذهاب إلى مضيق هرمز ثم الخليج العربي ، اذ ان سلطنة عمان لاعب قوي في مبادرة الحزام والطريق.
وعلى ضوء هذا المسار المعادي لسلطنة عمان ، رفض السلطان هيثم بن طارق آل سعيد حضور قمة نيودلهي ، رغم ان سلطنة عمان حصدت دعوة مماثلة للدعوة التي حصدتها مصر.
وقد اضطر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود رئيس مجلس الوزراء إلى ان يتوقف في مسقط ولقاء سلطان عمان في طريق عودته من نيودلهي إلى الرياض وذلك من أجل مقابلة عاهل عمان وتصفية أي تضارب في وجهات النظر بين الرياض وعمان.
3 ـ ضرب المشروع المصري بكافة تفاصيله ، اذ تأسيس خط للهيدروجين الأخضر سوف يقضى على منجز مصري خطير ، تمثل في ان مصر حصدت عام 2023 حزمة هائلة من عقود الهيدروجين الأخضر ، ما يجعل مصر تتسيد سوق الطاقة المتجددة والنظيفة.
وقد أدت هذه العقود وبدء العمل بها إلى حقيقة نشرها العالم اجمع باستثناء الصحافة والإعلام في مصر، تتمثل في حصد مصر المركز الأول على مستوي الشرق الأوسط في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية، متفوقة على الإمارات والسعودية وقطر وتركيا، ولم يحدث ذلك بسبب منتجات كهربائية او ملابس او منتجات زراعية ، بل بسبب قطاع الطاقة ، المجال الذى عرفت به دول الخليج للعالم من الأساس.
هكذا .. وبينما السطحيين والمغيبين يصدقون أكاذيب لجان الكترونية عن “سحب البساط” وهم يجهشون بالبكاء أمام حفلات غنائية راقصة تروج للطرب والغناء والفن المصري، تقدم فن مصري ويقدمها مصريين بل واغلب الحضور مصريين ايضاً فيما لا يمكن تصنيفه إلا بالغزو الثقافي وليس سحب البساط او مصادرة القوة المصرية الناعمة بل يعد استثماراً لها ، كان “سحب البساط” الحقيقي يحدث من دول النفط في مجال الطاقة. اصبحنا نجذب استثمار اجنبي اكثر من دول النفط في مجال الطاقة! لم تكن السعودية او قطر او الإمارات او الكويت او البحرين هم اول دولة جاذبة للاستثمارات الأجنبية في الشرق الأوسط عموماً وفى مجال الطاقة خصوصاً عام 2022 ..
بل كانت مصر وذلك بسبب ملف الهيدروجين الأخضر ومؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP27 الذى عقد بشرم الشيخ نوفمبر 2022.
4 ـ ضرب هيمنة مصر في مجال خطوط الانترنت ، حيث تسيطر مصر على هذا القطاع ويمر بها كابلات الانترنت فائق السرعة عبر قناة السويس.
5 ـ ربط المشروع الأمريكي في القارة الافريقية بالممر الاقتصادي ، حيث من المقرر ان تبحث اللجان الاستشارية للممر الاقتصادي كيفية ربط الممر الاقتصادي بـ الاستثمارات الأمريكية في موزمبيق شرق افريقيا إضافة إلى ممر لوبيتو ، الذي يربط جمهورية الكونجو الديموقراطية وزامبيا عبر ميناء لوبيتو في أنجولا بخط من السكك الحديد، ويطل هذا الميناء على المحيط الأطلنطي على مقربة من خليج غينيا وغرب افريقيا ، ما يوضح الأسباب التي دفعت روسيا والصين للتلاعب بالنفوذ الغربي خاصة الفرنسي في غرب افريقيا ومساعدة دول القارة في التخلص من فلول الاستعمار الغربي.
وتسعى أمريكا إلى شبكة من السكك الحديدة في القارة الافريقية تنافس بها النفوذ الروسي والصيني في القارة السمراء ، فيما وصفه كاتب تلك السطور بـ “مشروع مارشال افريقي” وكان يفترض ان تكون مصر رأس حربة هذا المشروع حينما تم الإعلان عنه في القمة الامريكية الافريقية الثانية في واشنطن ديسمبر 2022 ولكن على ضوء الغضب الأمريكي المتصاعد من انخراط مصر في طريق الحرير الصيني وتجمع بريكس ورفض مصر تسليح أوكرانيا او التوقف عن التواصل مع روسيا فإن اشتراك مصر في المشروع الأمريكي التنموي بالقارة الافريقية اصبح محل تساؤل بلا إجابة حاسمة حتى الان.
6 ـ تسعى أمريكا بهذا المشروع إلى دق آسفين وممارسة النمط البريطاني في “فرق تسد” بين دول تجمع بريكس ، الممر الهندي بوجه طريق الحرير الصيني ، مصر بوجه الإمارات والسعودية.
7 ـ تسعى أمريكا إلى جعل التطبيع الخليجي الصهيوني يخرج إلى العلن حيث يصبح الممر الاقتصادي حجة لبدء اجتماعات سعودية إسرائيلية.
والعلاقات الإسرائيلية الصهيونية وحتى السعودية الصهيونية موجودة من قبل إعلان قيام الدولة الصهيونية عام 1948 واستمرت بين الخليج العربي وإسرائيل سراً، حيث نسق الطرفين معاً في الكثير من المناسبات سواء ضد المد القومي العربي والناصري او المد الشيوعي السوفيتي وحتى ضد المد الإيراني عقب استيلاء الإسلاميين على الثورة الشعبية الإيرانية عام 1979.
وما يجري اليوم من لقاءات علنية او تطبيع علني ، ما هو إلا إخراج العلاقات الخليجية الصهيونية إلى النور بعد عقود من العمل معاً في الظلام، وقد بدأت تلك العلاقات اثناء الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) واشتراك الفيلق اليهودي بجانب الفيلق العربي المؤلف من قبائل عربية وخليجية في صفوف بريطانيا وحلفائها اثناء الحرب.
الولايات المتحدة الأمريكية تتفهم عدم قدرتها على مواجهة الصين اقتصادياً وحدها ، لذا تسعى إلى تقوية التجارب الإقتصادية الآسيوية من اجل صناعة “حرب الامبراطوريات الآسيوية” في شرق آسيا ونقل التوتر الدولي من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى.
وتشمل تلك الامبراطوريات الآسيوية كلاً من الهند واليابان وكوريا الجنوبية، وفي مرحلة تالية اندونيسيا وماليزيا ، إلى جانب التواصل الأمريكي مع تايوان والفلبين.
وتسعى أمريكا إلى تهيئة مسرح العمليات في دائرة المحيط الهندي والمحيط الهادئ ، او دائرة الاندو باسفيك Indo-Pacific وكانت خطة إعداد الهند لتصبح المنافس الإقليمي والآسيوي القوي للصين هي مخطط دونالد ترامب الذى بدأه منذ وصوله البيت الأبيض في يناير 2017 قبل ان تكمله إدارة جو بايدن في لفتة نادرة حيث سعت إدارة بايدن إلى الغاء كافة قرارات إدارة ترامب.
وفى هذا الإطار فأن الولايات المتحدة قد أطلقت وأسست سلسلة من الشراكات الدولية من اجل تطويق الصين ، وتشمل :
ـ معاهدة ANZUS .. تحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا ونيوزيلاندا.
ـ تحالف AUKUS أوكوس بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا.
ـ تجمع غرب اسيا i2u2 .. يضم أمريكا والإمارات والهند وإسرائيل.
ـ قمة كامب ديفيد الآسيوية بين أمريكا وكوريا الجنوبية واليابان في أغسطس 2023 حيث انتهت الخلافات التاريخية بين كوريا الجنوبية واليابان ، وتسعى أمريكا إلى عقد القمة بشكل سنوي على ان تضم دول آسيوية أخرى.
وتأمل أمريكا ان تؤسس “ناتو آسيوي” بوجه الصين في هذه الدوائر السياسية.
ولكن هل الممر الأمريكي فعلا قادر على تنفيذ تلك الأهداف ؟
ـ لا يوجد شيء اسمه خط سكك حديد يمكن ان ينافس النقل البحري لهذا السبب رغم اختراع السكك الحديد وكافة اشكال الطيران ظل النقل البحري هو أساس حركة التجارة العالمية.
ـ سبقت الصين كافة دول العالم في رسم خطوطها التجارية فاختارت الأسرع والاسهل ، بينما الممر الأمريكي بمساراته التي تحاول ان تتجنب طريق الحرير الصيني ومحطاته مثل مصر وعمان قد اتخذ طريق أطول بكثير ما يعني اهدار للوقت والمال.
ـ صيانة هذا الطريق متعدد المحطات ما بين طرق وعربات للسكك الحديد مكلفة للغاية مقارنة بتكلفة اتخاذ مسار قناة السويس المصرية.
ـ المشروع في المجمل بحاجة إلى تمويل يصل إلى نصف تريليون دولار أمريكي.
ـ المشروع لم يدق فيه مسمار حتى الأن .. فلا موانئ الهند جاهزة ، بينما ميناء جبل علي في دولة الإمارات العربية المتحدة جاهز ، ولكن لا يوجد خط سكك حديد من الإمارات إلى السعودية ، ثم يعبر المملكة من شرقها إلى غربها وشمالها وصولاً إلى الأردن ، وايضاً لا يوجد خط سكك حديد من الأردن إلى إسرائيل ، ولا يوجد في إسرائيل خط سكك حديد يصل إلى موانئ المتوسط ، ولا تمتلك إسرائيل أرصفة موانئ جاهزة لكل هذا من الأساس.
بل ان دولة مثل السعودية لا تعرف اصلاً معني خط سكك حديد عملاق بالشكل المطلوب .. اما الموانئ الإسرائيلية على المتوسط فلا هي جاهزة ولا قادرة لوجستيا على استيعاب حجم البضائع والعمل المطلوب لاستقبال طوفان الإنتاج الهندي وغيره ومن ثم تحميله إلى السفن التجارية المنطلقة إلى أوروبا.
أي ان المشروع حرفياً سوف يبدأ من نقطة الصفر.
في المقابل .. في المقابل قضت مصر على الإرهاب في شمال شرق سيناء واعادت تأهيل ميناء العريش ما ضرب إسرائيل كان يهدف إلى تطوير ميناء إيلات كميناء محوري ، ميناء ايلات هو الميناء الإسرائيلي الوحيد المطلع على البحر الأحمر ، وعملت تل أبيب على تطوير ميناء أشدود على البحر المتوسط وتطوير نقطتين يتم خلالهما الشحن والتفريغ بهما ، ثم الربط بينهما بقطار كهربائي سريع ، ما كان سيتسبب في انتعاشه اقتصادية كبري في إسرائيل ، ولكن إعادة تشغيل ميناء العريش وتطويره في وقت قياسي انهى آمال إسرائيل في خط إيلات – أشدود.
وإلى جانب ميناء العريش ، مددت مصر شبكة من السكك الحديد شملت :
أولا : خط السخنة – العلمين الجديدة ، ويبدأ المشروع من مدينة العين السخنة على ساحل البحر الأحمر ، وحتى مدينة العلمين الجديدة مرورًا بالعاصمة الإدارية الجديدة ، وجنوب الجيزة ومدينة السادس من أكتوبر ومحطة سكك حديد الإسكندرية الحالية ومدينة برج العرب.
ويشمل 15 محطة من أهمها مدينة 15 مايو ومدينة السادات والنوبارية وبرج العرب ونفق المشير ومحور الضبعة.
هذا الخط الذى اطلقت دوائر المؤامرة غلمان وناضورجية وعواطلية وحبسجية اللجان الإلكترونية للنيل منه وسرحوا الرأي العام عبر وسائل التواصل الإجتماعي يقول ان الدولة تؤسس خط سكك حديد للأثرياء وكأن الأثرياء يركبون قطارات في الأساس.
ووسط كل هستيريا اللجان الالكترونية لم يسمع احد للعقلاء حين قلنا ان هذا الخط له شق تجاري لنقل البضائع مثل كافة خطوط القطارات المصرية خاصة التي دشنت في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
تلك شرايين تجارية وليست قطارات لنقل الركاب فحسب.
ثانياً : خط العريش – طابا.
ثالثا : خط العريش – شرق بورسعيد.
وإلى جانب ذلك حفر قناة السويس الثانية وتأسيس محور قناة السويس وتطوير كافة الموانئ وأرصفة الموانئ المصرية وتطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وبناء 15 مدينة جديدة على رأسها مدينة العلمين الجديدة على البحر المتوسط ، ثم مد وصناعة اكبر سلسلة من الطرق السريعة والكباري وشبكة المواصلات الحديثة من المترو والقطارات في تاريخ مصر.
كل هذا كان يحدث طيلة عشر سنوات لتأهيل مصر لتصبح الرقم الصعب والمستحيل في حركة التجارية العالمية ، كل تلك المشاريع لها استخدام تجاري وليست طرق وكباري ومواصلات للمواطنين فحسب.
كل هذا كان يحدث بينما الحكومة المصرية تعاني من احط واجهل خطاب معارضة في التاريخ .. معارضة تتلفظ بجمل مثل “مشاريع قومية مالهاش لازمة” و”كباري ليه” و”هو كل حاجة كباري” و”أيه الفائدة الاقتصادية للسكك الحديد” و”مدينة العلمين الجديدة والعاصمة الإدارية بتوع الأغنياء وبتوع إيجبيت مش مصر”.
بالطبع هذه الجيوش من اللجان الالكترونية لا تعمل من تلقاء نفسها ومن السذاجة ان تظن انها تعمل من اجل إعادة جاسوس جاهل مثل محمد مرسي للحكم او إعادة جوقة من المشعوذتية وتجار الأديان مثل الاسلامجية للحكم .. كل هذا الهراء مجرد قناع لجماعة وظيفية ولكن الدور الحقيقي لما يسمى بالمعارضة المصرية ومدعي المعارضة كان ضرب الحالة المعنوية للقيادة المصرية وخلق رأى عام معارض للمشروع المصري وثورة البناء والتعمير والتطوير والتشغيل والثورة الصناعية المصرية الجالية وصولاً إلى تثوير وتأليب وتسخين الشعب على هذا المشروع وان ينزل إلى الشوارع لتدميره او عرقلته وتعطيله وخلع القيادة السياسية الاستثنائية التي فكرت ونفذت كل هذا.
لذا من يقلق على مصر ويتأوه في شجن وهو يري مشروع فانتازي يتعلق بمد خط سكة حديد في صحراء الجزيرة العربية كان أولى به ان يعيد حساباته ويتذكر كم سخر وكم كان رخيصاً وهو يتابع بعدم اكتراث مشاريع مصرية لمد الطرق والكباري والسكك الحديد بطول وعرض الجمهورية المصرية.
8 ـ تظل قناة السويس المصرية ومسارها هو الأكثر جاذبية وتوفيراً للوقت والمال عن الممر الاقتصادي الأمريكي او الهندي او الصهيوخليجي ، والواقع ان قناة السويس ليس لها منافس مهما حاول العدو ابتكار قصة او حدوتة في هذا الإطار .. هي امر واقع .. حتمية تاريخية ، وذلك ليس استعراض لفظي ولكنها حقيقية تاريخية.
والحاصل ان حركة التجارية الدولية منذ بدايتها كانت تسلك الطريق ذاته حتى من قبل حفر قناة السويس او وجود بعض القنوات الشبيهة بالقناة الحالية في نفس المكان ، حيث كانت البضائع تحمل على السفن ثم تصل إلى الشواطئ المصرية قبل ان تقطع المسافة بين سواحل المتوسط المصرية إلى خليج السويس براً قبل ان تكمل المسيرة بحراً.
ولاحقاً حينما بدأ الغرب وعلى رأسه فرنسا يفكر في قناة السويس ، أجرت خيرة العقول الأوروبية والفرنسية كافة الدراسات اللازمة وتوصلت إلى ان هذا المكان هو الوحيد على ظهر الكوكب الصالح لهذا المشروع.
بمعني أنه لو كان المكان الأفضل في فلسطين لذهب الفرنسيين إلى فلسطين وكان السلطان العثماني وقتذاك مرحباً بكل اشكال بيع الولايات العربية وغير العربية إلى الأجانب ، اذا كان المكان الأفضل في الشرق او الغرب او الشمال او الجنوب لذهب الفرنسيين وتصرفوا.
ولكن دراسات الغرب من قبل هذا التاريخ بمئات السنين كانت تشير إلى ان المكان الوحيد الصالح هو التقاء البحرين ، المتوسط والأحمر ، في مصر.
وبالتالي أي حديث عن قناة بديلة ، او قناة موازية ، او قناة في بنما او القطب الشمالي ، او خط سكك حديد او حتى طيران جوي يمكن ان ينافس قناة السويس هو مجرد بروباجندا وسيناريو فيلم فاشل ينتمي إلى الخيال العلمي.
المنافس الوحيد لقناة السويس هو ان يتم غلق قناة السويس ، لذا لازلت أرى ان كافة حوادث محاولة غلق قناة السويس منذ بدء ولاية جو بايدن عام 2021 هي حوادث مفتعلة ومدبرة ، وان تلك السفن التي عشقت غلق القناة مرة كل ستة اشهر بدعوي السذاجة يتم إدارتها عبر غرفة عمليات استخباراتية محترفة ، والهدف هو غلق قناة السويس ثم تدويلها بدعوي عدم قدرة مصر على إدارتها.
9 ـ حرصت مصر على تمديد مشروعها إلى القارة الأفريقية استباقاً للطموحات الأمريكية والخليجية ومنافسة للطموحات الإسرائيلية والإيرانية والتركية ، طريق القاهرة كيب تاون الذى كتبت عنه مراراً، اتفاقية منظمة التجارة الحرة الافريقية ، إتفاقية التبادل التجاري بين 55 دولة أفريقية بالعملات الوطنية وخلع الدولار الأمريكي من عرش التجارة الافريقية.
الاستثمارات المصرية في القارة الافريقية وعلى رأسها شركة المقاولون العرب وبناء سد تنزانيا.
تحدث بايدن في نيودلهي عن ممر لوبيتو بين الكونجو وزامبيا وانجولا. الرئيس عبد الفتاح السيسي في يونيو 2023 هو أول رئيس مصري يزور زامبيا ، وأول رئيس مصري يزور أنجولا ، بينما غلمان المؤامرة يسرحون اللجان الالكترونية تستخدم إستراتيجية المليون اراجوز وجيش المهرجين والإعلام المعنوي والاغتيال الأدبي وسلاح السخرية بالقول “هو كل حاجة اول رئيس وأول زيارة وأول مدينة وأول واكبر واطول مشروع؟”.
أصبح السبق والريادة والانجاز مادة للسخرية في قواميس ما يسمى بالمعارضة المصرية وشراذم السوقة والغوغاء مدعي المعارضة عبر وسائل الهراء الاجتماعي.
ـ مرور الممر الاقتصادي في مرمي السواحل الباكستانية والإيرانية نقطة ضعف مهمة ، والواقع ان تأمين مسار الممر الاقتصادي ايضاً صعب ومكلف للغاية.
صحيح ان الإسلام السياسي هو الحاكم الفعلي في إيران وباكستان هو مجرد جماعات وظيفية صنعت في بريطانيا وان خلافها مع أمريكا مجرد خلاف على نصيبهم من الكعكة وليس خلافات شريفة او وطنية كما تدعي دوائر تلك البلاد.
ولكن الرهان هنا ليس على الخلافات الباكستانية الأمريكية او الإيرانية الأمريكية ، ولكن الخلافات الباكستانية الهندية والإيرانية الخليجية، ففي نهاية المطاف باكستان لن ترضى بهذا النجاح العالمي للهند ، وإيران سوف تبحث لها عن دور في محطة الإمارات والسعودية ، بينما صواريخ الحوثي انطلاقاً من اليمن جنوب السعودية تكشف القطار المزعوم الذى سوف يشق الجزيرة العربية للمرة الأولى في تاريخها.
10ـ الصين بدأت من عام 2013 ، اى منذ عشر سنوات بالتمام والكمال في مشروع الحزام والطريق ، الحزام الاقتصادي وطريق الحرير .. مصر لا تشترك في الشق البحري فحسب ولكن في الشق البري أيضاً وهذا هو سبب تطوير الطرق والكباري ووسائل النقل.
الصين سبقت العالم بعشر سنوات كاملة ، بينما لا تزال أمريكا المثقلة بالديون والغرب المثقل بفواتير الحرب العبثية مع روسيا في أوكرانيا يفكر كيف ينفذ هذا المشروع الوهمي.
11ـ إلى ان ينتهي تشييد هذا المشروع بالكامل ، يبقى الوضع على ما هو عليه ، واولهم الهند .. الهند قبل الجميع تنقل بضاعتها إلى العالم عبر قناة السويس.
12ـ هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها إدارة بايدن إلى تفكيك أيا من مفردات المشروع المصري ، فقد تعاونت مع إيران لضرب مشروع الشرق الجديد بين مصر والأردن والعراق ، كما تعاونت مع إيران ايضاً لضرب مد الخط العربي وهو المسمى الرسمي لخط الغاز المصري إلى لبنان، وهو الخط الذى يصل إلى الأردن اليوم ، وكان يصل إلى سوريا إلى عام 2012 حينما قام العملاء مدعي الثورية في سوريا بضربه ، وكانت مصر تسعى إلى إعادة تشغيل الجزء السوري ثم مد الخط إلى لبنان من اجل إنقاذ لبنان من عثرته ولكن أمريكا مع إيران اوقفتا هذا المشروع.
كما تسعى أمريكا إلى هز إتفاقية المليار دولار شهرياً اى المعاهدة المصرية الأوروبية لتصدير غاز المتوسط إلى أوروبا عبر مصر واعتماداً علي الغاز المصري ، وذلك عبر تأسيس محور شرق متوسط بديل يضم قبرص واليونان وإسرائيل ، وكان الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس يرفض فكرة استبدال مصر بإسرائيل وأسس محور شرق المتوسط مع الرئيس عبد الفتاح السيسي وكان اول زعيم أوروبي يزور مصر عقب ثورة 30 يونيو 2013 في زمن الرئيس المستشار عدلي منصور.
ولكن ولاية نيكوس أناستاسيادس انتهت في فبراير 2023 ، وأتى الرئيس القبرصي الجديد نيكوس خريستودوليدس منفتحاً على الرؤية الأمريكية وهكذا عقد في نيقوسيا عاصمة قبرص في 5 سبتمبر 2023 قمة جمعت الرئيس القبرصي الجديد مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس ، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حيث أتفق القادة الثلاثة بترتيبات أمريكية على بدء إجراءات تصدير الغاز إلى أوروبا دون الإعتماد على الخط المصري او محطات الاسالة المصرية ، ومحاولة ربط هذا الخط والمخطط بالممر الاقتصادي الأمريكي وتفعيل العلاقات بين الدول الثلاثة من جهة والهند من جهة أخرى.
ولكن تظل حقيقة ان أمريكا نفسها الغت من قبل مشروع تعاون ثلاثي بين قبرص واليونان وإسرائيل بسبب ارتفاع تكلفة الابتعاد عن المسار والخط والمحطات المصرية ، وحقيقة ان الغاز المصري قادر على توفير احتياجات أوروبا دون الحاجة إلى الثلاثي ، بينما هذا الثلاثي بحاجة إلى ان يدخل في المنظومة المصرية الأوروبية حتى يكون له وزن في حسابات الإتحاد الأوروبي.
هكذا ، تحاول أمريكا ان تفتعل أزمات وتفكك المشروع المصري ولكن كافة تحركات إدارة جو بايدن كما الحال مع إدارة باراك أوباما هي تحركات خائبة للغاية.
ولكن .. هل باعت الهند والسعودية والإمارات مصر بهذه الاتفاقية؟
حرص رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على زيارة مصر في يوليو 2023 ، واطلاع القيادة المصرية على هذه التطورات ، وفى هذه الزيارة التاريخية اتفق البلدين على استبدال الدولار الأمريكي بالعملات الوطنية في التبادل التجاري، واتفقا على بدء تدفق الإستثمارات الهندية في المنطقة الإقتصادية بقناة السويس المصرية.
حرصت الهند على إستضافة الرئيس عبد الفتاح السيسي في يناير 2023 في احتفالات عيد الجمهورية ارفع عيد وطني في الهند ، ليصبح الرئيس السيسي هو اول رئيس مصري يزور الهند مرتين في عام واحد منذ نصف قرن.
الهند هي من دعت الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى قمة العشرين في نيودلهي سبتمبر 2023.
وبالتالي كيف يمكن للهند التي لديها استثمارات في محور قناة السويس ان تتآمر على قناة السويس؟
بل وكيف يمكن إتهام السعودية والإمارات بالأمر ذاته بينما كلا الدولتين لديهم استثمارات في محور قناة السويس؟
والحاصل ، وهذا أمر مفهوم بالنسبة لي على الأقل ، ان هذه الدول وجدت الكاوبوي الأمريكي يدعي قدرته على تنفيذ هذا الممر ، ويدعي قدرته على توفير نصف تريليون دولار أمريكي للبدء في هذا المشروع ، وبالتالي فلا مشكلة في الموافقة والانخراط فيه ، دون اغضاب مصر او الخروج من جنة أسواقها الاستثمارية .. فكانت القاعدة هي “ربحت أمريكا ولم اخسر مصر” هي السائدة في حسابات الهند والإمارات والسعودية وحتى اليونان وإيطاليا وفرنسا والأردن.
ولكن دعنا نطرح السؤال بشكل مختلف ..
هل مصر على خلاف مع الهند والإمارات والسعودية ؟
الإجابة قولاً واحداً .. لا .. الهند وافقت على إنضمام مصر إلى بريكس تدرك الهند انها لا يجب خسارة مصر والصين وروسيا.
اما السعودية والإمارات فأن الأمر برمته مشاريع إقليمية ولكل دولة الحق في إقامة مشروعها الإقليمي والتنافس الدولي ، الأمر الوحيد المميز لدي السعودية والامارات هو عدم وجود رأى عام مغتصب وممحون ومنحط يعارض الكباري والطرق وسكك الحديد ومحطات البنزين والمقاهي والمطاعم الموجودة بطول تلك الشرايين التجارية.
هل مصر محسوبة على الصين وروسيا بوجه أوروبا وامريكا ؟
باستثناء دول المحور الانجلوساكسوني ( بريطانيا ، الولايات المتحدة ) التي تحاول ابتزاز مصر بهذا التصنيف ، فأن أوروبا تتفهم طبيعة الصراع الدولي وترى ان استقطاب مصر وعدم تركها لصالح الصين وروسيا بل وحتى الهند هو السياسة الأكثر واقعية.
اما بالنسبة لمصر ، فان الرئيس السيسي سن سياسة عصرية عقب ثورة 30 يونيو 2013، أعاد ابتكار شخصية مصر الدولية، مصر ليست جزء من محور او قطب بل هي قطب دولي ومحور إقليمي بحد ذاته ، مددت مصر شبكة من العلاقات والمصالح الاقتصادية مع الشرق والغرب ، والشمال والجنوب ، لدينا علاقات متوازنة مع الصين والهند وروسيا وامريكا وبريطانيا وأوروبا في نفس الوقت ، فكرة الانتساب لمحور معين فكرة تجاوزتها مصر ولم يعد مقبول ان يتحدث طرف مع القاهرة من أجل الإبتعاد عن طرف آخر ، مصر تجاوزت فكرة دفع فواتير إنتصار او إنهيار احدي الأقطاب او المحاور الدولية.
مصر طرقت كافة المحاور الدولية بل أسست محور شرق المتوسط ومحور غاز المتوسط ، وطرقت أبواب دوائر غرب البلقان والقرن الإفريقي وشرق أفريقيا وأوروبا الوسطى وأمريكا الجنوبية وشرق آسيا ، ولم تسمح القاهرة لعلاقاتها الوطيدة مع الهند ان تأتي على حساب العلاقات مع باكستان ، او العلاقات التاريخية مع روسيا ان تأتي على حساب العلاقات مع بولندا وأوكرانيا.
مصر قطب دولي لديها مشروع إقليمي وتتزعم دائرة الشرق الأوسط وما يسمى بالعالم العربي والعالم الإسلامي ، لا تنتسب لمعسكر شرقي او معسكر غربي ، وهى السياسة التي طبقتها الهند نقلاً عن التجربة المصرية.
ختاماً .. الممر الأمريكي غير قادر على ضرب طريق الحرير او مبادرة الحزام والطريق الصيني.
الممر الأمريكي غير قادر على إلغاء مركزية ودور قناة السويس في حركة التجارة العالمية.
إسرائيل والسعودية والإمارات غير قادرين على منافسة الموانئ المصرية والمعابر المصرية والخطوط التجارية المصرية، سواء الموجودة على سواحل البحر الأحمر او البحر الأبيض المتوسط او داخل الأراضي المصرية والقارة الأفريقية .. مصر الدولة الوحيدة في الجنوب التي تمتلك تلك الإمكانيات في مجال الموانئ وأرصفة الموانئ والمناطق اللوجستية والطرق والكباري والقطارات التجارية والبنية التحتية الجاهزة لتدفق بضائع الشرق والغرب والشمال والجنوب الى مصر وعبر مصر الى العالم.
الممر الأمريكي مفيد لمصر في أنه كشف نوايا بعض الأشقاء وطبيعة تحالفهم مع الصهاينة وكيف ان مصر هي عقدتهم التاريخية عبر العصور.
مصر الدولة الوحيدة الجاهزة في دول الجنوب والشرق الأوسط والعالم الثالث للعب دور المايسترو في الحركة التجارية بين الجنوب والشمال ، في حركة التجارة الافروآسيوية ، في حركة التجارة الافروأوروبية ، في تشكيل بوابة للبضائع الأجنبية إلى القارة الافريقية.
الممر الأمريكي بحاجة إلى مليارات وسنوات من العمر حتى يتم إنجازه وهو مشروع مرتبط بقراءة جناح داخل الحزب الديموقراطي الأمريكي لطبيعة الصراع الدولي والصراع الأمريكي الصيني ، وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد جمد هذا المشروع رغم خلافه الشرس مع الصين.
يبقى الوضع على ما هو عليه .. مصر هي قلب العالم منذ فجر التاريخ وحتى فناء الكون.