بقلم/ زينب عبد الحفيظ
حبيبتي….
ستقوم الحرب، وسأذهب إلى منحدر الدماء. ستتسخ يداي، وتتلوث عيناي، سيعمى عقلي، وستتزاحم رائحة الموت في أنفي.
لن تريني حبيبتي، لن تري فتاكِ المدلل.
سأغدو وحشًا بعيدًا عن عينيكِ البريئتين، سأخلع عني ثوب الشفقة، وأغرز سيفي في غمد العدو، هل هم أعداؤنا؟ أم أننا نصنع أعداءنا بأنفسنا؟
سأشق بخنجري الرقاب، لن تشاهديني وأنا أنتزع أرواحهم، وأفتح لدمائهم طريقًا في أرضهم المستغيثة، لكن.. بمن تستغيث هذه الأرض؟ بنا، أم بأبنائها الموتى؟
سيزحف المر إلى حلقومهم، سيتذوقون الزقوم، وسيتدافع لهيب النار في أفواههم، سيرون الجحيم على أرض الدنيا، سنذهب لنستعرض قوتنا، ولنُريهم هلاكًا يهلك غرورهم،
لكن..
هل تظنين أنهم مغترّين؟ سنعمي أبصارهم ببريق سيوفنا، ونرهب أرواحهم بزئير وحوشنا.
ستقوم الحرب حبيبتي، لكني سأعود إليكِ.. أثق بذلك.
إنهم شرذمة من الرعاع، نُبّئنا بأنهم فقراء الزخيرة، خائرو القوى، مهدمو العزيمة…
انتظريني، وأرجو أن تحصني عينيكِ، ضعي قليلًا من الكحل، فأنا أحبها محاطة بالسواد، أعلني الحداد على فراقي، اجعليها محرمة على غيري. ستقوم قيامة الدنيا على أجساد هشة تعبق بها الداء، سنسحقهم كالأعواد الجافة تحت أقدامنا، سندهس عظامهم وننثرها على سفح الجبال، سنقتلعهم من قلب أراضيهم؛ بل أراضينا..
سنرسل إليهم الموت دفعات مكثفة. سيحاربون، سيقاتلون ولا تصلنا أنباء عن ضعفهم أبدًا، سمعنا أنهم حمقى متشبثون بالتراب، فهذا ما تبقى لهم، مجرد أكوام من التراب يتصاعد من شقوقها الدخان.. الدخان يزحف إليهم حبيبتي، دخان معبّق برائحة الموت، لماذا لا يتزحزحون؟ ألا يرون أنه لا مفر من الفناء؟ لقد اصطفت الدنيا ضدهم، تحالفنا مع شياطين الإنس، وتعاهدنا مع الطغاة، وارتدينا دروع الجبابرة، وتكاتفنا مع الوحوش التي يسيل لعابها انتظارًا لبطشنا الطاغي على هؤلاء الضعفاء
حبيبتي، لا سبيل لديهم سوى الفناء أو الفرار؛ لكن كيف يفرون من سراديقنا المحكمة..
إنهم أقوياء الأرواح، يحتفظون بعزة نفس غريبة بدلًا من الرثاء على ما فقدوا، يجلسون ليزفروا القليل من الدمع، ثم يكفكفونه بضغينة، ويعودون للوقوف،
هل تظنين هذا غباء؟ يقولون إنه لا مفر من الإله، طقوسهم الدينية مخيفة، حبيبتي.. إنهم يتراقصون كالأشباح، يظنون أن هذه وسيلة روحية لمقاومة هيمنتنا، لم تفلح الأمراض في إبادتهم، لذلك ستُقام الحروب. سنقطع عروقهم الممتدة في باطن الأرض، والمتمسكة بجذورها،
لم تتابعيني وأنا أدكّ رؤوسهم دكًّا، لقد تحالفنا مع البعض منهم فمنهم من خشي بطشنا، ومنهم من أزاغ المال عقولهم،منهم من ساعدنا، ومنهم من دعمنا، والفئة الأدنى منهم تحالفت معنا حبيبتي.. في النهاية سنقضي عليهم جميعًا. هل تظنين أننا سنرحم من خان بني جنسه؟ لا، سنستغل هذه التحالفات لمصلحتنا فقط، وسنذبح من تطاله سيوفنا، ونقطم رقاب البقية بالمكر، إنهم ضحايا الأنانية.
حبيبتي..سأعود، لكن أخشى ألا أعود كما كنت، هل ستتقبلينني؟ سأسفك الدماء بهذه اليد التي تربّت على وجنتيكِ بحنو.. سأُصاب بمرض التوحش، وسأُدمن هدر الدماء، سيختلط عقلي بالعقول الشاذة، المتعطشة للهيمنة، لكن لا بأس سنمتلك الأرض، ستغدو تحت قبضتنا
لكن، هل ستتقبلنا الأرض؟
حبيبتي، إنها سترتوي بالدماء، لكنها لن تنسى.. ستظل شاهدة على الدموع التي سقطت فوقها، على الأصوات التي صرخت فيها، على الرقصات الخائبة التي لم تستطع إنقاذ أصحابها، وعلى الاستغاثات التي لم يسمعها أحد هل ستقبل الأرض العزاء، أم أنها ستصرخ للأبد؟
حبيبتي، انتظريني… سأعود، أو ربما لن أفعل.
لا تبكيني الآن، فربما يكون الرثاء أوفى لاحقًا.